محمد أمل فهيم أبوالقسام محارب دنقل «أمل دنقل» سيظل اسمه يتردد كثيراً بين عشاق الشعر الحديث والباحثين عن الحرية والأمل.. فقد ولد فى عام 1940 بقرية «القلعة» القريبة من قفط فى أقصى الصعيد بـ «قنا»، وكأن التاريخ يبتسم له، فقد كان المولود بعد شهور من اندلاع الحرب العالمية الثانية، والتى عرفت فى ريفنا بحرب «هتلر» نسبة إلى مفجرها، وعلى أرض مصر شهدت مدينة العلمين على الساحل الشمالى أكبر معاركها البرية وأكبر معركة دبابات فى التاريخ الحديث بين الحلفاء والمحور أو بين قائدين عسكريين مازالت مراكز الدراسات العسكرية تتحدث عنهما فى إشارة لهذه الحرب هما مونتجمرى وروميل تلك المدينة التى تحولت الان الى منطقة للابداع العالمى، لكن وبعيداً عن التاريخ ننظر إلى واقع أسرة أمل، فوالده خريج الأزهر الشريف ويعمل مدرساً للغة العربية، إضافة إلى والده رزق بجانب أمل بابن ثان اسمه أنس وشقيقته، وكأن الدنيا قد أرادت أن تقدم له الدرس الحزين الأول فى حياته، فقد مات والد أمل وهو لم يكمل بعد عامه العاشر فى نهاية المرحلة الابتدائية تاركاً أسرة متماسكة ومنزلاً صغيراً من طابقين، تحملت الأم الشابة على عاتقها تربية الأبناء، وبمعاونة عم أمل وواجهوا تقلبات الحياة فى سن مبكرة من عمره بعد وفاة والده ورغم حزن الوفاة إلا أن الوالد ترك له ما يساعده فى مسيرته الأدبية من خلال مكتبة بها كنوز الكتب، كانت مساهماً مهماً فى تكوين عقلية نجله أمل فى النصف الأول من القرن الماضى وحتى ثمانينيات القرن، عندما توفى الابن أمل.
كان عمل والده مدرساً يتطلب التنقل من حين لآخر، وعملت الأم بعبقرية المرأة الصعيدية فى مهمتها الصعبة على جمع شمل الأسرة معتمدة على معاش زوجها، ومن أجل مجهودها فى تربية الأبناء حازت على لقب الأم المثالية لمحافظة قنا عام 1990 بعد ٧ سنوات تقريباً من وفاة أمل، وتقول: مسيرة تعليمه أنه أنهى التعليم الابتدائى مع بداية ثورة يوليو 1952، وتميز بذكائه الفطرى بين أقرانه وحاز على الإعدادية وفى المرحلة الثانوية وللمصادفة فى نفس المدرسة التى كان بها صديقه الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودي، ولم يكن بعيداً عنهم الصديق المشترك يحيى الطاهر عبدالله وكونوا مثلثاً ذهبياً يجمعهم قواسم مشتركة كثيرة قاعدتها الشعر والأدب.
اسم أمل
جاء اسم محمد أمل جديداً وفريداً فى قرية القلعة بقفط قنا فى صعيد مصر، فقد اختار والده الاسم وأطلقه على مولوده الأول، الذى ولد عام 40، تيمناً بالنجاح الذى أدركه فى نفس العام الذى حصل فيه والده على «الاجازة العالمية» وهو القارئ النهم الشاعر أيضا، حيث كان يكتب الشعر العمودي..وفى «القلعة» القرية ولد محمد أمل الطفل مشهوراً رغم أنه لم يكن يقيم فيها بشكل دائم، فقد توفى والده وهو فى العاشرة ووجد نفسه طفلاً مسئولاً عن أسرة من أمه وشقيقه وشقيقته.
ترك أمل دنقل تركة شعرية تمثلت فى ٤ دواوين مطبوعة ديوانين مخطوطين كل ما تركه أمل فى الدنيا داووين وقصاصات ورق لم يخطها لتكون دواووين قال عنه الشاعر أحمد الشهاوى عندما قرأت أمل دنقل وجدت نفسى أمام فتح جديد فى الكتابة، خاصة استلهامه للتراث.. وتابعت دواوينه وبهذا يكون أمل الشاعر الوحيد الذى كنت أحفظ كل ما كتب.. وفى مقال بـ «الأهرام» فى 2 يونيو 2008 قال وزير الثقافة الأسبق د.جابر عصفور: الشاعر أمل دنقل الذى رحل عنا مازال حياً بيننا نتذكر كلماته التى مازلنا نحفظها فى قلوبنا ونجعلها أسلحتنا التى نواجه بها القبح والفساد والظلم والانكسار.
يقول: لم يكن أمل دنقل من هولاء الصامتين، فقد أعلن حضوره الشعرى المتمرد فى مطلع الستينيات بكلمات «سبار تاكوس الأخيرة»، وهو الشاعر الذى مازال حياً بيننا فى الزمان الذى لم يشهده، لكنه كان يراه فى رؤاه.
أول قصائده
فى المرحلة الثانوية لفت أمل الانتباه بتنظيمه قصائد شعرية فى المدرسة فى المناسبات الوطنية، ولفت انتباه المدرسين وكان محور حديث زملائه ليس فى النبوغ الشعرى فقط بل فى الإلقاء، وهى المناسبة الوطنية التى عكست ميلاداً كبيراً، لم يسلم من ظنون البعض بـ «حقد» من أن ما يلقيه ليس شعره أو نظمه.
ومع حرب 1956 ومرافقته لأسرته بالقاهرة كان مغرماً بقراءة دواوين الشعر، وانصرف تماماً إلى الثقافة ومع العدوان على بورسعيد من جانب بريطانيا وفرنسا واسرائيل نظم قصيدته التى قال فيها:
يا معتقلاً.. ذابت أسوار كل الجنود
حشد العدو جيوشه بالنار والدم والحديد
ظمئ الحديد فراح ينهل من دم الباغى العنيد
قصص البطولة والكف عرفتها بورسعيد.
ونظراً لأن قضيته الكبرى كانت الشعر وعاش من أجلها محارباً بالكلمة، وكان يعتبر نفسه لا يحمل إلا قلماً بين ضلوعه وفى يده مرايا تعكس الضوء الذى يسرى فى دمه، وفى القاهرة عاش عذابات اللحظة وجذبه الشوق إلى أرض المولد فعاد إلى قنا ليعمل بمحكمة قنا.. ونظراً لأنه كان يخشى «قيد» الوظيفة أن تشغله عن عشقه الشعر، فترك الوظيفة بالمحكمة سريعاً، وقيل عنه من كبار نقاد عصره إن أمل دنقل لم يستقر أو يستمر فى وظيفة موظفاً وضربوا المثل بتركه وظيفته فى الجمارك بعد المحكمة فى السويس والاسكندرية، وكان السبب عشقه للشعر والترحال، وكان ينغمس فى الشعر باعتباره يخرجه من «قيد» الوظيفة والمكان فى آن واحد.
أمل باعترافه نفسه إنه لا يعرف عملاً غير الشعر، ولم يكن غريباً أن يقول لأصدقائه: «لم أصلح فى وظيفة».. وقال فى حياته لم أنفع فى عمل غير الشعر، مما يعكس الانسان الشاعر فى داخله الذى عاش معه كـ «القرين» من بداية حياته حتى النفس الأخير.
الكعكة الحجرية.. وزرقاء اليمامة
أول صرخاته الشعرية كانت «الكعكة الحجرية» التى كتبها للشباب عام 1968 عقب النكسة، بعدها جاء ديوانه الأول «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة»، وجاء الديوان تعبيراً عن رؤاه فى هذه المرحلة بعد حرب 1967، وبعد هذا الديوان أصدر ديوان آخر بعنوان «تعليق على ما حدث» عام 1971 وتزامن مع تظاهرات الطلاب عام 1971، وما أطلق عليه «عام الحسم» وفى عام 1974 أصدر ديوان «مقتل القمر» وبعدها عام 1975 أصدر ديوان «العهد الآتي».
كان الشاب أمل بشهادة كبار الشعراء الذين سبقوه والذين زاملوه أنه أكبر شعراء جيله فى الشعر الحديث رغم تأكيدهم أنه ليس آخر المتفوقين فقد ظهر أمل وسط طوفان الشعراء صلاح عبدالصبور وصلاح جاهين وعبدالرحمن الشرقاوى ونزار قبانى وفدوى طوقان ونازك الملائكة وشعراء الجزيرة العربية.. وفى مرحلة زاخرة بالقوة الناعمة المصرية أدبًا وشعرًا وفنًا ومسرحًا وغناءً وإذا كان الزمن هو الناقد المميز والعامل البات فى الحكم على نتاج أى شاعر فيمكن القول بعد 41 عامًا على وفاته إن «أمل» واحد من هؤلاء الشعراء الموهوبين والمبدعين الذين نجحوا بجدارة فى امتحان الزمن.. وتمكن «نصه الشعري» من المكوث والرسوخ فى ذهن وذاكرة القراء مصريًا وعربيًا.. ولاتزال نصوصه الشعرية نابضة بالقول عبر سطورها الزاخرة بالمعانى بقدرة كبيرة على المقارعة وهذا حقيقة لأنه كتب شعرًا عمره طويل وليس كهؤلاء الذين يكتبون من أجل واقع يذهب للنسيان وهذا ما رأينا بعضاً من سطوره فى كتاب «الجنوبي» التى تعكس نقاء تعبيرياً عن شاعر كبير اختطفه الموت مبكرًا قبل أن يكمل مشروعه الشعري.. وما تركه لاتصالح والكعكة الحجرية والبكاء بين زرقاء اليمامة ليست مجرد قصائد أو عناوين لكنها تشكل رؤية شاعر باتت جزءاً من نسيجنا الثقافى والسياسى والاجتماعى جعلت أثر أمل لا يسكن للنوم بل يظل مستمرًا..
.. وما يميز أمل أنه نهل من التراث بحكم البداية ونجده استلهم من عناوين مثل زرقاء اليمامة لكنه طوعها من أجل قضيته التى آمن بها المتعلقة بحرية الإنسان والأوطان وحقق بها شعبيته وتجاوزت الكثير من الشعراء لأنه عاش وسط هموم الوطن.. والحقيقة أن عبدالرحمن الأبنودى مع يحيى الطاهر عبدالله «القاصي» وأمل دنقل كانوا بمثابة نسمة قدمت من صعيدنا الأصيل إلى القاهرة لتقدم مواهب نادرة تزامنت مع تحولات عصرية فى عصر الستينيات.. ومعهم د. سلامة آدم الذى تناول سيرة أمل كرفيق درب وصديق..
عبلة.. والزواج
فى منتصف السبعينيات وتحديدًآ فى أحد أيام 1976 التقى أمل دنقل بالكاتبة الصحفية الأديبة عبلة الرويني.. فى مناسبة إجراء حوار صحفي.. وبعد الحوار تعددت اللقاءات وأثمرت اللقاءات بالزواج.. ويقول القريبون من الشاعر والكاتبة إن روح عبلة نفسها وإنسانيتها كانت وراء نجاح مشروع الزواج فهى تعرف أنها ارتبطت بشاعر عاشق للشعر ولا يملك إلا قلمه بين أصابعه.. ويتخذ من المقاهى مقرًا.. وبالفعل عاشت معه وسط ترحاله من مكان لمكان ومن فندق إلى فندق رفيقين فى رحلة حياة وسط القاهرة المدينة التى لا تنام..
كان الزواج فيه كثير من المواقف التى تجسد أمامنا ايزيس الحبيبة وأوزريس المحبوب.. فيومًا قال لها ستشقين معي.. فأنا لا أملك قوت يومي، فقالت له: سأشقى أكثر منك وتزوجا وكانا متلازمين فى المنزل والمقهى والأتيليه.
وهذا ليس غريبًا على أمل المغرم بالترحال فى رحلة لعلم والعمل والشعر.
محنة المرض
داهم المرض الشاعر الكبير الذى أثار الجدل الكبير بقصائده ودواوينه فى معركة الشعر والكلمة.. وعندما اكتشف الطبيب مرضه «الخبيث» الذى كان وراء إقامته فترة ليست قصيرة فى المستشفى وفى الغرفة «8» أشهر غرفة لمريض فى مصر زارها كبار الأدباء والمفكرين والكتاب ومراسلو الصحف فى عالمنا العربى مطلع الثمانينيات.. لدرجة أنه أصدر ديواناً باسمها «أوراق الغرفة 8» وكتب عنها كبار الكتاب والشعراء وأديبنا الكبير يوسف إدريس وأصدقاؤه الكثر فى عالمنا العربي، وهى الغرفة التى تناثرت منها قصائده إلى المجلات العربية والصحف العربية المهاجرة والمهجرة فى لندن وباريس.. وعبرت عن ذهنية شاعر يعيش آمال أمته وأمل شعوبها.. وهى القصائد التى جمعها د. جابر عصفور القريب جدًا من أمل دنقل الشاعر والمثقف والإنسان.. وفى الأوراق تلمح حجم الإبداع وما حملته من معان لشاعر حمل سيف الكلمة.. وتعكس قدرة شاعر وصف تجربته مع الأمراض الأليمة الطاحنة وتمكن من مقاومتها مما أدهش الأطباء.. وعن تأثره بالمرض كتب أمل بخط يده على هوامش الجرائد والمجلات التى كانت بالغرفة ودونتها الأوراق فى الدور السابع بمعهد الأورام:
كثير من الصفحات عن أمل لا تكفى لمسيرة شاعر قصيرة.. لكن عمرها كبير يترسخ مع الزمن.. هو الشاعر الذى وثق مرضه بقصائد الشعر وأبياته «الجنوبي» الذى مات شاباً قدم قصائده من الشاعر إلى المواطن فترسخت ولم تمت.. أصدقاؤه اعتبروا الغرفة 8 التى قضى فيها آخر أيام حياته أول منزل يستقر فيه بالمعهد مع رفيقة دربه «عبلة» كما يقول صديقه الشاعر عصام الغازي.. آخر كلماته لزوجته فى الغرفة التى حولها لمنتدى أن يدفن فى قلعته مسقط رأسه التى خرج منها بالقطار وعاد إليها محمولاً عبر طائرة فى صندوق إلى مطار الأقصر ليدفن بجوار والده.
ومات أمل دنقل فى 1983 ليسدل الستار عن قصة شاعر اقتحم معارك الشعر بدواوينه التى رسخت إيمانه بقصته الأساسية وتؤكد دواوينه التى لايزال يتم ترديدها بعد 41 عامًا من وفاته إنه مدرسة أدبية لها عشاقها ومحبوها.. وبين 21 يوليو 1940 – و8 مارس 1983 رحلة حياته وبين القلعة وقفط فى قنا إلى القاهرة والعودة
سطور حزينة كثيرة تقول أمل دنقل مرض هنا.
الكعكة الحجرية
الإصحاح الأول
أيها الواقفون على حافة المذبحة
أشهروا الأسلحة
سقط الموت وانفرط القلب كالمسبحة
والدم انساب فوق الوشاح
المنازل أضرحة
والزنازين أضرحة
فارفعوا الأسلحة
واتبعونى أنا ندم الغد والبارحة
رايتى عظمتان وجمجمة
وشعارى الصباح.
أعمال أمل.. والغرفة «٨»
لم يتخيل أصدقاء أمل دنقل أن هذا الشاب النحيل المتمرد ستنتهى حياته فى الغرفة 8 التى كتب فيها آخر دواوينه عام 1983 وهو آخر الدواوين التى نشرت فى حياته.
تزامن نشره لدواوينه مع التحولات التى شهدتها مصر فى نهاية الستينيات وكان «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة» أول دواوينه عام 1969 بعد النكسة بعامين..جاء ديوانه الثانى «تعليق على ما حدث» عام 1971 وهو العام الذى سمى بعام الحسم وأيضا نفس العام الذى انفصلت فيه بنجلاديش عن باكستان.
بدأ أمل فى سلسلة دواوينه تابعها بديوان «مقتل الصم» عام 1974 بعد حرب اكتوبر وعام 1975 أصدر ديوانه «العهد الآتي» وفى عام 1983 سنة وفاته أصدر ديوانه قبل الأخير بعنوان «أقوال جديدة عن حرب البسوس» قبل أن يصدر ديوانه الغرفة 8، وكلها أعمال كتبت لأمل دنقل الخلود رغم مسيرة حياته القصيرة لموهبة لا تعرف الحواجز لصدقها وشفافيتها، فهو صاحب لقب الموهبة الصادقة، وبها حمل وسام أبرز ممثلى تيار الشعر الحر الذى مزج بين النهل من التراث العربى والعالمى واللغة العربية الرصينة.
قالوا عن دنقل
أحمد عبدالمعطى حجازى
تجربته الشعرية ثرية وهى بلورة لكل ما قرأ وتعلم فى تراث الفن، إنه أبدع ابداعاً خاصاً وأقرأ قصائده وأحسده وكنت أتمنى لو كتبت هذه القصائد..قال: أمل كان مفتوناً بأصوات اللغة ولا يمكن أن يفسر شعره بعيداً عن الصوت.
حلمى سالم
يقول الشاعر حلمى سالم فى دراسته «قوس قزح.. جماهيرية أمل» إن أمل حقق شعبية هائلة لم تتحقق إلا لبيرم التونسى وأمير الشعراء أحمد شوقي، وأرجع ذلك إلى انتمائه للتراث القديم، لاسيما العربى والإسلامي، مما وفر له أرضية مشتركة مع القارئ، إضافة إلى أنه كان على اتصال بعموم جمهوره فى مصر وفى الوطن العربي. يقول سالم إن «دنقل» نجح فى نسج الموقف السياسى الاجتماعى الناصع مع التشكيل الفنى الجمالي.
محمد حسين أبوالحسن
عاش أمل الحياة فى أدق نبضاتها وتغنى بتفاصيلها غناء جعل الأشياء الصغيرة والمسكوت عنها والعادية تنتفض بضربات فرشاته الشعرية الباذخة.
أنس دنقل
أما أنس دنقل شقيق أمل فيقول فى أحد لقاءاته الصحفية «آخر ساعة»: الجمهور كان يقرأ أشعاره على الدوام ولم ينقطع عنها، مشيرا إلى أن هناك بعض الأعمال لم تنشر خلال حياته ومنها مسرحية بخط يده «الخطأ» ورواية مترجمة هى «قريش عبر التاريخ» وكلها أعمال تلقى جانباً إبداعياً مميزاً عن شاعر ألهب النفس بقصائده وأشعل العقول بقصائد كالرصاص.
لا تصالح.. الكعكة الحجرية.. والبكاء بين يدى زرقاء اليمامة
هذه ثلاثة عناوين ليست مجرد قصائد أو عناوين لدواوين شعرية، بل هى جزء من النسيج الثقافى المصرى يرددها كل المثقفين فى النصف الثانى من القرن الماضي، ظلت ميراثاً أدبياً للشاعر والأديب الكبير أمل.
أمل بعد 41 عاماً
وبعد 41 عاماً من الغياب، مازال أمل دنقل موضوعاً للنقاش والجدل الأدبي، باعتبار أن الزمن هو العامل الحاسم فى الحكم على نتاج المبدعين وهذا هو نصيب أمل.. من منا لا يقف أمام «الكعكة الحجرية» و»البكاء بين يدى زرقاء اليمامة» أو «الغرفة ٨» التى كتبها على أوراق الجرائد فى غرفة زارها كل أدباء مصر ومفكريها لهذا الشاعر الشاب الذى يقولون إنه كتب رثائه قبل وفاته.
نصوص أمل الذى رحل عن عالمنا قبل 41 عاماً مازالت نابضة بالحياة واستطاعت ببلاغتها وصدقها أن تفلت من أسر اللحظة العابرة، فقد نجحت قدرة أمل الذى انهزم أمام السرطان فى مقارعة النسيان بفعل موهبته الفذة العالية بشهادة أبناء جيله ورواد مرحلته من كبار الشعراء والمفكرين..ففى أدبيات الشعر يعيش المخلصون لموهبتهم والصدق مع الآخرين، فقد كانت شخصيته ترفض عقد الصفقات المادية أو الأخلاقية، وأيضا ترفض تدوير الزوايا، بل ظل أمل مخلصاً لنزاهته الأدبية رغم ميل شعراء عصره إلى «الصعلكة» أحياناً، لم يخن جذوره الصعيدية التى أصلت داخله الأصالة وقيم الفروسية.