اعتدنا منذ عدة سنوات صدور قرارات عفو رئاسية مرتبطة بمناسبات وطنية أو دينية محددة يتم فيها الإفراج عمن قضى فترة زمنية محددة كان فيها حسن السير والسلوك حيث كان يتم فحص كل حالة على حدة وإعداد ملفات خاصة بها لعرضها على الرئيس لاتخاذ قراره بالإفراج عنهم طالما لم تكن قضاياهم تتعلق بالأمن القومى للبلاد أو الإرهاب.. إلا إننا فوجئنا منذ عدة أيام بذلك القرار الذى اتخذه الرئيس عبدالفتاح السيسى بالعفو عن 605 مصريين من المحكوم عليهم فى قضايا بأحكام نهائية لمن تجاوز عمرهم 60 عاماً من الرجال والسيدات وهى خطوة اعتبرها تاريخية وغير مسبوقة تؤكد إصرار القيادة السياسية على تنفيذ الشق الإنسانى الوارد فى إطار الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.. بل هو قرار يؤسس لأركان الدولة المصرية التى نعيش فى رحابها حالياً خاصة وأن منهم من صدرت ضدهم أحكام قضائية نهائية إلا أن ظروفهم الصعبة والإنسانية تسمح لسيادته استناداً إلى الصلاحيات التى يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية والتى تنص على حقوق الرئيس وواجباته أمام شعبه وهو ما يعنى أن الإنسانية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى تأتى ضمن أولوياته ولا أنسى هنا عبارته الشهيرة عندما كان وزيراً للدفاع وشاهداً لأعمال العنف والقتل التى تعرض لها العديد من الأبرياء وحالة الهلع والترويع التى انتابت الشعب المصرى إبان فترة سيطرة جماعة الإخوان الإرهابية على الحكم وذلك عندما قال «لن نترك ما يتعرض له المصريون دون حمايتهم وإلا لن يكون لدينا مروءة».
من المعروف أن هناك دولاً لا تحكم بإعدام من تجاوز 60 عاماً ولكنها لا تقوم بالإفراج عنهم ولذلك فقد أشاد جميع من علم بهذا القرار الرئاسى سواء من المثقفين والنواب أو حتى من رجل الشارع العادى حيث يمثل هذا القرار خطوة تبعث الأمل والحياة فى نفوس هؤلاء المتهمين لعل خروجهم فى هذه السن تكون بداية لهدايتهم وعودتهم الى صالح الأعمال والقرب من الله.. وفى حديثى مع بعض الضباط العاملين فى قطاع الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية علمت أن هذا القرار قد أثلج صدور المحكوم عليهم حيث إنهم فوجئوا به وسرعان ما تم تشكيل لجان لفحص ملفات النزلاء على مستوى الجمهورية للوقوف على الحالات التى تستوجب الإفراج عنها من كبار السن إعمالاً لتوجيهات رئيس الجمهورية.. حتى الضباط الذين تناقشت معهم كانوا فى حالة من السعادة انعكاساً لما رأوه من توافد وفرحة لأعداد كبيرة على مراكز الإصلاح والتأهيل لاستقبال ذويهم المفرج عنهم حتى بعد صدور أحكام قضائية نهائية لهم وهو ما يؤكد أن هناك اهتماماً حقيقياً لتطبيق منظومة إصلاحية متكاملة تراعى حقوق الإنسان وأن هناك تعاملاً إيجابياً مع ملف المحبوسين الذى يناقشه الحوار الوطنى والذى يأتى على قائمة اهتماماته تنفيذاً لرؤية الرئيس الهادفة الى تحسين المناخ الحقوقى وتعزيز مبادئ حقوق الإنسان وحرص القيادة السياسية على مراعاة الأبعاد الإنسانية والاجتماعية فى التعامل مع قضايا النزلاء فى مراكز الإصلاح والتأهيل.
إن الحرية تمثل قيمة أساسية للحياة وإن منحها لمن قضى فترة عقوبة معينة أو من تجاوز سنه 60 عاماً وهو فى السجن قد أدرك مدى الخطأ الذى ارتكبه فى حق مجتمعه وفى حق نفسه خاصة إذا كان قد ترك أسرة ضعيفة تمر بظروف صعبة من الاحتياج والفقر وهنا كان التدخل الإنسانى للرئيس للإفراج عنهم بل وتقديم المساعدات والمبادرات المختلفة لهم حتى يتمكنوا من مواصلة الحياة ومواجهة الظروف المعيشية الصعبة التى تعانى منها البشرية حالياً.
أعتقد أن ميزان الإنسانية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى يتساوى مع ميزان العدل وأن ذلك أصبح يعتبر أحد ملامح حكمه للبلاد وهو الأمر الذى يجب أن نقابله برد الجميل خصوصاً وأن السجن تجربة مريرة شديدة القسوة على الإنسان حتى وإن كان قد ارتكب ما يبرر دخوله الى هذا السجن.. وأعنى هنا برد الجميل أن نساعده فى اتخاذ قرارات مماثلة ونشجعه على ذلك بحيث يصبح ملف حقوق الإنسان والإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ليست مجرد حبر على ورق بل هى فلسفة عصر الرئيس فى الجمهورية الجديدة والتى تسبق فيها الرحمة على أى اعتبارات أخري.
تم دراسة مئات من حالات كبار السن المودعين فى مراكز الإصلاح والتأهيل وأستقر الرأى على الإفراج عن 604 نزلاء وذلك على أمل دراسة أعداد أخرى سوف يتم القيام بها فى الوقت المناسب وذلك للعمل على تأسيس مجتمع مصرى جديد يقوم على التراحم والمحبة بعيداً عن الجرائم والعنف فما حدث بالفعل هو عملية إنسانية فى المقام الأول وليس لها علاقة بأى أبعاد أو أهداف سياسية وفى ذات الوقت تقديراً للدور الذى يقوم به القائمين على الحوار الوطنى والذى يأملون أن مخرجاته تؤخذ مأخذ الجد طالما كانت فى إطار الصلاحية الدستورية للرئيس أو لعرضها على مجلس النواب لدراستها واتخاذ القرارات أو القوانين اللازمة بشأنها.
أشادت الأحزاب والقوى الوطنية بقرارات الرئيس إلا إننى أرى أن مجرد الإشادة والتقدير ليست كافية بل يجب أن يكون لديهم دور تكميلى كى لا يعود المفرج عنهم إلى سابق نشاطهم الإجرامى تحت بند العوز والاحتياج.. ومن هذا المنطلق فإن السعى لإيجاد عمل يتماشى مع المفرج عنهم أو القيام بعمل دورات توعوية تؤهلهم للإندماج فى الحياة والحرية مرة أخرى وتجعلهم عناصر صالحة فى المجتمع بعد تلك الفترة التى قضوها فى السجون.. أن ملف حقوق الإنسان دائماً ما يكون من الملفات الشائكة التى يحاول أعداء الوطن الضغط بها على الدول المختلفة لتحقيق مصالح معينة لهم إلا أن مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى جاءت لتؤكد أن مصر تتعامل مع هذا الملف بالرحمة والإنسانية وليس بالسياسة أو لإرضاء كيان دولى أو أى دولة خارجية وذلك أملاً فى أن نصبح مجتمعاً صالحاً يخلو من الجرائم ولو بعد حين.