هل تشعر الحكومة بمعاناة المواطنين من الغلاء؟!
سؤال يتردد فى كل مكان تذهب إليه.. وبالتأكيد وصل إلى الدكتور مصطفى مدبولي.. وهو يحير الناس فى الشوارع والبيوت.. لأنهم يسمعون تصريحات من المسئولين عن تحركات الرقابة والسيطرة على الأسعار والتصدى لجشع التجار.. وعندما يذهبون إلى الأسواق يصدمهم الواقع المرير.. فيتذكرون المثل القائل: «اسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب»!!
صحيح أن الدولة أقامت شوادر ومنافذ لبيع السلع والمنتجات والمواد الغذائية للحد من جشع التجار.. ولكنها لازالت غير كافية ولم تصل إلى كل الأماكن خاصة فى الأحياء الشعبية والقرى والعديد من المدن بالمحافظات.. مما يستدعى زيادة هذه المنافذ لتكون التغطية أكبر والاستفادة أوسع ولكل الطبقات.. كما أن أسعار بعض المنتجات التى تباع بها تحتاج إلى إعادة نظر لأنها أغلى من الخارج!!
الغريب أن أسعار المواد الغذائية التى تباع فى المجتمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين أغلى من «السوبر ماركت الكبيرة أو الهايبر»، وذلك باستثناء من يذهبون لهذه الجمعيات ومعهم بطاقات تموينية فهؤلاء يأخذون بالسعر المدعم.. ولكن من المفترض أن هذه الجمعيات طول عمرها كانت تبيع للمواطنين بأسعار أقل كثيراً من القطاع الخاص.. فلماذا انقلبت الآية؟!
لا يتوقف الأمر على الجمعيات الاستهلاكية فقط.. ولكن السيارات ومنافذ بيع الخضراوات والفواكه التابعة لوزارة الزراعة ولشركات وجهات عامة فى الكثير من الأحيان تبيع المنتجات بأغلى من الأسواق رغم أن المواطن يذهب إليها وكله ثقة أن منافذ الدولة لابد أن تبيع له أرخض من القطاع الخاص وتجار الجملة.. فلماذا أصبحت بعض الجهات الحكومية لا تعى دورها وتسعى وراء الربح فقط.. بالتأكيد لا نريد لها الخسارة ولكن من غير المعقول أن تبيع الحكومة بأغلى من التجار.. فهل يمكن إعادة النظر فى سياسة هذه الجهات؟!
وبالنسبة للمواصلات التى ارتفع ثمن ركوبها بعد الزيادة الأخيرة فى البنزين والسولار.. فإن أسعار تذاكر الأتوبيسات العامة أصبحت تفوق ثمن ركوب الميكروباصات والسرفيس.. فنفس المسافة التى يدفع فيها المواطن من 6: 8 جنيهات فى الميكروباص تكون فى الأتوبيس من 12 إلى 20 جنيهاً.. ويطالب المواطنون بتقسيم تذكرة الأتوبيسات إلى مسافات بأسعار مختلفة مثل المترو فلا يمكن من يركب ٣ محطات يدفع نفس ما يدفعه من يركب من أول الخط إلى آخره!!
تحدث الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء أكثر من مرة عن توافر الأدوية وعن زيادات طفيفة فى أسعارها لا تتجاوز 25 ٪.. وللأسف مازالت بعض الأدوية غير متوافرة.. والأهم أن هناك أدوية زادت بنسب تفوق 100 ٪.. فمثلاً دواء لمرضى الكوليسترول كان يباع الشريط 7 أقراص بخمسة وسبعين جنيهاً أصبح الشريط بـ 150 أى أن العلبة وبها ٤ شرائط تحولت من 300 إلى 600 جنيه وذلك فى أقل من عام.. بخلاف أدوية القلب والكبد وغيرها!!
للأسف.. علينا أن نعترف أنه لا توجد حتى الآن آليات لضبط الأسواق والرقابة الجادة.. وإذا قالت الحكومة إنها موجودة فإنها بالتأكيد لا تعمل بالكفاءة المطلوبة التى تشعر المواطن بأن هناك من يحس بمعاناته ويقف بجواره ضد بعض التجار الجشعين الذين يتحكمون فى الأسواق ويحققون الأرباح الخيالية على حساب الغلابة!!
لا يتوقف الأمر على أسعار السلع والمنتجات والمواد الغذائية.. وإنما شملت الزيادات كل شيء فى حياة المصريين من الأجهزة الكهربائية والملابس إلى السيارات وتذاكر الطائرات.. وأصبحت أسعار الخدمات تفوق قدرة الأسرة.. ففواتير الكهرباء والمياه والغاز والتليفون الأرضى والمحمول جميعها زادت ولا أحد يستطيع التنبؤ بموعد لوقف الزيادات المتتالية.. فلا الحكومة أعطت هدنة للمواطنين.. ولا هى أخبرتهم بموعد نهائى لوقف الزيادات.. وذلك بالطبع بخلاف مصاريف الأولاد والمدارس وإيجار الشقق أو رسوم الصيانة وغيرها.. واتحدى أى أسرة مصرية يمكنها أن تحدد ميزانية لها لمدة شهر واحد حيث ترتفع الأسعار فى اليوم الواحد عدة مرات!!
استبشر المصريون خيراً بحكومة الدكتور مدبولى الجديدة على أمل أنها ستنفذ ما وعدت به من السيطرة على الأسواق والأسعار وأنها ستواجه التجار الجشعين بكل حزم وحسم.. ولا زال الشعب فى الانتظار ويعطى الحكومة مهلة الـ 100 يوم الأولى حيث لم يمر على تشكيلها سوى 50 يوماً.. فهل تحقق ما وعدت به فى الخمسين يوماً المتبقية؟!
مع إيقاف التنفيذ!!
من الآفات التى ابتلينا بها عبر العصور.. عدم التخطيط المسبق.. والتسرع فى اتخاذ قرارات دون دراسة والتحمس لها وصرف ملايين الجنيهات فى الإعداد لها.. ثم فجأة نكتشف ثغرات وعقبات تحول دون اتمامها.. فيتم صرف النظر عنها والتخلى عن المضى فيها بعد فوات الأوان.. ورغم إهدار المال العام تجد من يؤشر على القرار الذى كان متحمساً له: «مع إيقاف التنفيذ»!!
أكبر مثال على عدم إجراء دراسات وافية قبل اتخاذ القرار عندما بدأت الحكومة ممثلة فى وزارة البترول المرحلة الأولى من تطبيق منظومة «الكروت الذكية» لتوزيع البنزين والسولار فى يونيو 2013 وهى المرحلة الخاصة بالمحطات والمستودعات التى توزع الوقود.. وفى 1/1/2017 بدأت المرحلة الثانية الخاصة بأصحاب السيارات الذين تسلموا «الكروت» ووعدوهم بالحصول على دعم بعدد محدد من اللترات وما زاد عنه يتم سداد ثمنه بالسعر الحر.
كان من المفترض أن تكون هناك مرحلة ثالثة بعد التأكد من حصول جميع فئات مستهلكى البنزين والسولار والبالغ عددهم أكثر من 7 ملايين مستهلك.. وتختتم المنظومة بالمرحلة الرابعة التى يتحدد فيها كمية الدعم التى سيحصل عليها كل صاحب سيارة خاصة أو أجرة أو توك توك بخلاف أصحاب الأفران وقمائن الطوب وغيرها.. حيث تشمل المنظومة كل من يستخدم الوقود.
فجأة أعلنت وزارة البترول عن إيقاف التنفيذ بعد 5 سنوات من الإعداد وبدء التنفيذ وصرف ما يزيد على مليار جنيه على ثمن الكروت الممغنطة والأجهزة التى ستستخدم وتدريب العاملين والاتفاق مع شركة «آى فاينانس» الإلكترونية المسئولة عن الكروت.. كل ذلك توقف لأن الوزارة اكتشفت ثغرات فى التطبيق أهمها صعوبة ميكنة «التكاتك» ومعدات البناء والماكينات الزراعية التى تم ضمها للمنظومة لأنها تستخدم الوقود والسولار والمازوت.. فهل كان هذا هو السببت الحقيقي.. ولماذا لم يتم إجراءات وافية قبل ضياع أموال الشعب فى الهواء؟!
علينا دراسة المشروعات قبل بدء تنفيذها من كافة الجوانب حفاظاً على الوقت والجهد والمال العام.. وحتى لا يعود نفس المسئول الذى وافق على المشروع ويؤشر بجوار كلمة «موافق.. ولكن مع إيقاف التنفيذ»!!