قضية الهوية والحفاظ عليها ليست أمرًا ثانويًّا أو هامشيًّا فى حياة الأفراد والدول، بل هى أمر حيوى وأساسي، ويكفى وصمًا لشخص ما أن يقال عنه: إنه شخص بلا هوية، ولأمة ما أن يقال عنها: إنها أمة بلا هوية.
إن تجذر الهوية يعنى تجذر الانتماء، وهشاشة الهوية تعنى هشاشة الانتماء.
وهوية كل أمة تبرز من خلال مدى تمسك أبنائها بإرثهم الحضارى والعلمى والثقافى وحفاظهم عليه، وتطوير ما ينبغى تطويره منه، وإسهامهم فى بناء الحاضر وصناعة المستقبل، وصورتهم التى يستطيعون رسمها بما يحملون ويقدمون لأنفسهم وللإنسانية سواء فى مجال الأخلاق والقيم أم فى مجال العلوم والمعارف والصناعات وعمارة الكون وبناء الحضارة.
إذا كان هناك من يريدون لأمتنا أن تكون مسخًا أو طمسًا بلا هوية، بلا معالم، بلا لون أو طعم أو رائحة، يريدون لها أن تنفصل عن ماضيها العريق وتذوب فى هويات أخري، كى تسهل السيطرة عليها وعلى مقدراتها، فإننا يجب أن نكون على حذر من ذلك وفطنة له، وأن نكون على قدر المسئولية وأعلى درجات اليقظة والوعى والمقاومة لكل محاولات التذويب أو التغريب، وأن نقوم بعمل جاد وجهد دءوب لتقوية مناعتنا الحضارية فى مواجهة موجات التجريف العاتية، وبخاصة ما يتصل بتحصين الشباب والنشء من موجات التطرف والغلو والتشدد من جهة وموجات ومحاولات التدمير القيمى والأخلاقى وجرهم إلى طريق الإلحاد أوالتسيب والتفريط من جهة أخري، فكلا طرفى النقيض مذمومان.
ديننا دين الوسطية، وهويتنا هوية وسطية، وثقافتنا ثقافة وسطية، وقبول الآخر والمختلف جزء من إرثنا الدينى والحضاري، يقولون: ما أمر الله عز وجل فى الإسلام بأمر إلا حاول الشيطان أن يأتيك من إحدى جهتين لا يبالى أيهما أصاب: الإفراط أو التفريط، ويقولون : لكل شيء طرفان ووسط فإن أنت أمسكت بأحد الطرفين مال الآخر، وإن أمسكت بالوسط استقام لك الطرفان..
الهوية المصرية هوية عريقة فى وسطيتها وتسامحها وتسامح أبنائها عبر العصور بما جمعته واحتضنته ووسعته من ثقافات إنسانيّة واسعة فيما يزيد على سبعة آلاف عام..
وهى عريقة فى وسطيتها الدينية التى حملها ورسخها الأزهر الشريف والتى نرى رأى العين بعض مظاهرها فى إقبال الدراسين عليه من مختلف دول العالم سواء على كلياته أم معاهده حتى صار الالتحاق به أمنية كثير من الباحثين والدارسين فى أنحاء المعمورة، مع تلك الحفاوة التى يلقاها إمامه الأكبر فى زياراته لمختلف دول العالم، والتى انعكس صداها – أيضا – على علمائه وموفديه أينما ذهبوا، مع تقبّل وتلقى العالم لمنهجه الوسطى بالرضا والقبول والاطمئنان.
إن الشعب المصرى معروف منذ قديم الزمن بتجذره فى أرضه وتمسكه بها وحرصه على افتدائها بالنفس والنفيس، وعدم التفريط فى ذرة رمل من ثراها الندي، وبهذه الروح وبقيادة حكيمة استطاعت الدولة المصرية الحفاظ على حدودها رغم كل التحديات المحيطة التى عصفت بكثير من دول المنطقة وزلزلت كيانها..
كل ذلك يدعونا إلى التمسك بثوابتنا الدينية والوطنية والإنسانية وعدم السماح لأحد بالعبث بها أو النيل منها، فقوة هذا الوطن فى قوة تماسكه ولحمة أبنائه وقوة انتمائهم لوطنهم وعدم سماحهم لأحد بالنيل منه أو المساس بثوابته أو بهويته.