لم يكن الحبس الاحتياطي هو الأول فى ملف حقوق الإنسان ولن يكون الأخير، فالدولة قررت فتح هذا الملف بإرادة سياسية واضحة منذ سنوات وحققت فيه خطوات مهمة، وتعاملت مع قضايا لم يكن مطروحا مناقشتها من الأساس وكانت الخطوة الأكبر إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان قبل ثلاث سنوات وكانت تلك المرة الأولى التي تضع فيها دولة رؤية كاملة بالتزامات واضحة وتلزم بها نفسها وتتعهد بتنفيذ كل ما جاء فيها..
كانت هذه خطوة متقدمة لأن الاستراتيجية تضمنت كل ما يمكن أن يطالب به من يعملون في الملف الحقوقي وكل ما يحقق حقوق الإنسان لكل مواطن بمفهومها الشامل، حياة كريمة في كل المجالات اقتصادية وصحية وتعليمية وسياسية وتبع ذلك خطوة أخرى كانت مؤشرا على توجه الجمهورية الجديدة ومن أبرزها وأهمها قرار الرئيس بإنهاء حالة الطوارئ بعد أكثر من خمسين عاما على تطبيقها دون انقطاع ولم يكن هناك من يتوقع هذا القرار الذي كان رسالة واضحة بتغيير جوهري في الحياة السياسية وأعطى مؤشرا واضحا للعالم كله بأن مصر استعادت أمنها واستقرارها.
وتخلصت تماما من كل الإجراءات الاستثنائية وبدأت عصرا مختلفا من الانفتاح السياسي الكبير، ثم كان إطلاق الرئيس السيسي للحوار الوطني نقلة غير مسبوقة وكان الجميع يعتقدون في البداية أن الحوار سيكون مقصورا على موضوعات بعينها ولمدة محددة أو على أشخاص بعينهم يتم اختيارهم بمعايير السلطة والتوافق معها وأن ما سيصل إليه من مقترحات سيتم الانتقاء منه للتنفيذ بل اعتقد البعض وروجوا ان الحوار مجرد شكل للتجميل السياسي لكن كانت المفاجأة أن الحوار حقيقى وأنه يحظى بدعم ومساندة رئاسية كبيرة، وأنه بلا خطوط حمراء يناقش كل الملفات ويفتح كل القضايا ويشارك فيه الجميع بلا قيود إلا من تورطوا في الدم أو رفعوا السلاح في وجه الدولة، أو رفضوا دستور 2014.
وعلى مدى عامين تحول الحوار من فكرة نقاش أو هايد. بارك سياسي كما تخيل البعض إلى آلية دولة وأصبح جزءا مهما من عملية صناعة القرار بالمشاركة الشاملة لكل ممثلى التيارات والأحزاب السياسية، فقد أصبح الحوار مثيرا ليس للنقاش والتعبير عن الرأى فقط، بل المشاركة الجادة والحقيقية في اتخاذ القرار وصياغة السياسات واحيلت له ملفات مجتمعية مهمة مثل الدعم وملف التعليم وغيرهما من الملفات.
وخلال الفترة الماضية ناقش الحوار ملفات تهم المجتمع. وقدم نحو 200 توصية سياسية واقتصادية ومجتمعية تم التعامل معها بكل جدية وحرص على تنفيذها، بل أعلنت الحكومة أن توصيات الحوار جزء من برنامجها.
وهذا الأسبوع عندما ينتهى الحوار الوطني من مناقشة ملف الحبس الاحتياطي ويقدم توصياته إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أحالها إلى الحكومة مع توجيه حاسم بسرعة تفعيل المتوافق عليه من هذه التوصيات، فهذه رسالة جديدة من القيادة السياسية تحمل معنى واضحا وهو الإصرار على نجاح الحوار وفي الوقت نفسه التغيير الشامل والكامل للحياة السياسية في مصر والسعى لإقرار كل ما من شأنه دعم حقوق المواطن.
هذا هو نهج الدولة الحقيقي الآن وهو تأكيد على أننا نعيش حالة مختلفة تفتح فيها كل الأبواب المغلقة ويتحقق خلالها مبدأ الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة كواقع يلمسه الجميع فعلا وليس قولا.
بالتأكيد ترى بعض الأصوات الزاعقة التي لا يعجبها العجب ولا يعترفون بأى تغيير مهما كان كبيرا ومؤثرا، وهؤلاء لو تحولت مصر إلى جنة الله في أرضه فلن يرضوا ولن يكنوا عن النقد والتربص بل كلما تقدمت مصر في ملف زاد غضبهم، ولذلك فهم لا يشغلونا لأن الأهم هم عموم المصريين وهؤلاء يدركون ويرون بالفعل أن بلدهم يسير في اتجاه الإصلاح الشامل ويلمسون فعليا كثيرا من التغيير الجذرى الذى يؤكد أن المستقبل مختلف وأن ما يحدث الآن هو بناء الدولة عصرية. صحيح هناك عقبات و أزمة اقتصادية.
لكن هناك أيضا في المقابل حرص من الدولة بل إصرار على التحدى والمواجهة والعبور من الأزمة. وعموم المصريين يقدرون حجم ما يبذل من جهد في مواجهة التحديات ويعلمون أن ما يحدث من خطوات جادة للبناء لم يكن سهلا ولا متوقعا في ظل هذه الظروف. لكن الإرادة السياسية هي التي دعمت هذا المسار وجعلته واقعا وفرضت إطار الإنجاز الصالح المواطن.
وتدرك الأغلبية من المصريين أنه كما حظيت توصيات الحوار الوطني بخصوص الحبس الاحتياطي باستجابة رئاسية سريعة وتوصية بتنفيذ المتوافق عليه منها، فإن كل ما سيخرج من الحوار من توصيات مستقبلية سيحظى بنفس الدعم والاستجابة أيضا. الأهم أنه خلال الفترة القادمة سوف تتوالى الملفات التي ستطرح على الحوار الوطني ليناقشها بكل ما يضمه من تنوع في المشاركين وثراء في المناقشات بهدف الوصول إلى الخلاصات التي ترضى الأغلبية وتحقق المصلحة العامة للدولة، وهذا ما يريده الرئيس السيسي ويؤكد عليه.