أصبح لدينا هوس قومى يسمى الثانوية العامة.. طوال السنة لا حديث لنا إلا على الدروس الخصوصية والسناتر.. وينقلب حال الأسر وتقف الدنيا ولا حديث إلا عن النبى حارسه.. وتعلن الطوارئ فى المنازل.. ثم نأتى إلى موال وحكايات لجان الامتحان والغش الجماعى وتسريب الامتحانات والامتحان من المنهج والا من خارج المنهج.. والامتحان ده صعب والبنات بتعيط.. طب ح نرضيكم فى التصحيح.. يعنى الحكاية فيها فصال.. وتطلع النتائج وكل الفصل فوق 90 فى المائة.. يعنى الكل كان بيغش.. وفيه تظلمات.. أى أنه اعتراف صريح بإمكانية حدوث أخطاء فى التصحيح.. أو أن هذه الثغرة لها أبعاد أخرى والله أعلم.
أنا لم أسمع أن هذا يحدث فى أى بلد آخر فى الدنيا.. ولم يكن يحدث أيامنا.. طب إيه سبب هذا الكم من القلق والتوتر والضجيج المصاحب لهذه الشهادة.. إجدى الفتيات من فريق الشباب الذى يعمل معنا فى الجمعية كانت تدرس هذا العام فى مدرسة حكومية متطورة وبها قسم للدبلومه الأمريكية.. ظلت تمارس عملها معنا دون أى توقف ودخلت امتحان نهاية الدراسة الثانوية وعلمت بالنتيجة وحضرنا حفل تخرجها وكل ذلك حدث قبل أن تنتهى امتحانات الثانوية العامة.. بل وقامت بإجراء عدة مقابلات من أجل اختيار الجامعة والكلية التى تلتحق بها.. وقبل أن تعلن نتيجة الثانوية العامة.. الأمور كلها كانت طبيعية والحياة حلوة وجميلة.. وهذا ما يدعونا إلى التأمل قليلاً فيما نراه على الجانب الآخر من معاناة وتوتر وقلق وإهدار الجهد والمال.
أنا أرى أن مشكلة الثانوية المهمة هى السبب الأكبر فى الخلل الذى تعانى منه المنظومة التعليمية فى البلد.. لأنها لابد وأن تمثل الشاغل الأكبر لأى وزير للتربية والتعليم وبالتالى تستهلك وقته وجهده وتفكيرة.. رضى أم لم يرض.. فهى الواقع الذى يفرض نفسه على الواقع.. ومن أجل ذلك كله.. لابد من أن نجد حلاً سريعاً وحاسماً.. نتخلص به من هذا الصداع القومى المزمن.. أنصاف الحلول لا تنفع.. ويجب أن نفكر برؤية متطورة وشاملة.. ولعلنى أقترح هذه الروشته للتعامل مع هذا الصداع المزمن:
أولاً: لابد وأن نجعل السنوات الدراسية التأهيلية لدخول الجامعات سنتين.. أى أن تكون بدايتها من السنة الثانوية الثانية حالياً.. وتعقد فيها الامتحانات كل ستة أشهر.. فى يونيه وديسمبر مثلاً.. ويمكن أن يستوفيها الطالب فى سنة واحدة أو سنة ونصف أو سنتين أو أكثر.
ثانياً: تقوم كل كلية وكل جامعة بتحديد المواد الدراسية المطلوبه للالتحاق بها فى حدود 6 أو 7 مواد.. وكل كلية حسب تخصصها.
ثالثاً: تكون الدراسة فى هذه المرحلة التأهيلية دراسة مفتوحه.. وكل مدرسة تعلن جدولها لكافة المواد.. ويختار الطالب الدروس المخصصة للمواد التى يريد أن يدرسها.. بحيث يختار المواد التى تتطلبها الكلية التى يرغب الالتحاق بها.. وتحدد المدرسة عددا محددا من الطلاب لحضور كل حصة.
رابعاً: يستطيع الطالب التقدم ودخول الامتحان فى أى مادة يختارها أو أكثر فى كل دورة امتحانات.. أول امتحان للمادة يكون دون رسوم.. ولكن إذا أراد إعادة الامتحان للحصول على درجات أعلى فعليه أن يدفع رسوما مقابل ذلك.
خامساً: النتيجة النهائية والتقديرات تكون لكل مادة على حدة وتكون هى مقياس التميز من أجل القبول فى الكلية والجامعة المرغوبة.
هذا رأي.. لعله يكون حلاً للهوس القومى حول الثانوية العامة.. أو لعل هناك حلول أخري.. المهم أنه لا يمكن أن يستمر الحال كما نحن عليه بأى حال من الأحوال.