صحيح أن ٣ أيام كاملة مضت على قرارات الرئيس السيسى الأخيرة، والتى كانت فور الإعلان عنها «مفاجأة سارة» للشعب بأكمله، وأدخلت الفرحة على كل بيت مصري، إلا أن كل الشواهد تؤكد أن أصداء حزمة «الحماية الاجتماعية» الجديدة، والتى تعد الأكبر على الإطلاق فى تاريخ مصر، لا تزال تتردد على نطاق واسع، وتلقى ترحيبًا جماعيًا شديدًا، ليس من جانب المواطنين وحدهم، ولكن على كافة المستويات، بالمعنى الحرفى لكل كلمة.
نعم، هذه الحزمة العاجلة والضخمة، بحجم 180 مليار جنيه «بالتمام والكمال»، والتى من المقرر أن تتحملها الدولة، بدءًا من الشهر القادم، بملء إرادتها، وبمنتهى الرضا، رغم ثقلها على الموازنة العامة، كى «تخفف الحِمل» عن المواطن البسيط، لاقت منذ اللحظة الأولى تأييدًا منقطع النظير من أهل السياسة بمختلف أطيافهم.. كلهم بلا استثناء أجمعوا على أنها «جاءت فى وقتها»، وأن الحاجة إليها كانت بالفعل ملحة جدًا، فى ظل ارتفاع الأسعار الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق، الأمر الذى استشعر معه الرئيس السيسى بحسه الوطنى والإنسانى المعهود ضرورة تدخل الدولة على نحو فوري، فما كان منه إلا أن اتخذ تلك القرارات التاريخية بحق، والتى لم يسبقه إليها أحد من قبل.
الأحزاب هى الأخري، بكل تنوعها، بادرت إلى التعبير عن ارتياحها الشديد بشأن القرارات الرئاسية الأخيرة، مثمنين حرص السيسى الواضح على مراعاة ظروف محدودى ومتوسطى الدخل، خاصة وأنهم – أكثر من غيرهم – تحملوا جنبًا إلى جنب مع الدولة، على مدار السنوات الماضية، أعباء برنامج الإصلاح الاقتصادى الحتمي، والذى كان لا بد منه، وللأسف أتت الرياح بما لا تشتهى السفن، فلم يلبثوا أن يقطفوا بأيديهم «ثمار الإصلاح»، وتنعكس بدورها إيجابيًا على «جيوبهم»، وتتحسن أحوالهم إلى حد ما، حتى فاجأتهم كما فاجأت الدولة نفسها هذه الأزمات الاقتصادية العالمية غير المتوقعة، بداية من جائحة كورونا، مرورًا بتداعيات الحرب «الروسية – الأوكرانية»، وأخيرًا التأثيرات السلبية الناجمة عن التوترات المقلقة التى تمر بها المنطقة فى الوقت الراهن، سواء جراء العدوان الإسرائيلى على غزة، أو ما يجرى جنوب البحر الأحمر عند «باب المندب»، وأثر الأخير على تراجع موارد قناة السويس بنسبة ٦٤٪ خلال يناير.
من ناحيتهم أشاد خبراء الاقتصاد كذلك بالقرارات الأخيرة، مؤكدين أنها مؤشر إيجابى على التعافى المالى القريب للدولة، وبرهان اقتصادى على «اشتداد عودها»، فى مواجهة رياح التحديات والأزمات الدولية المتلاحقة، التى فرضت توابعها الصعبة عليها، مثلها فى ذلك مثل جميع بلدان العالم، وخاصة صاحبة الاقتصادات الناشئة، فيما كان نواب الشعب، بمجلسى النواب والشيوخ، فى طليعة المؤيدين والمرحبين بقرارات الرئيس، بحكم تمثيلهم للمواطنين تحت «قبة البرلمان»، وتعبيرهم عن قضاياهم الملحة، وكونهم الأكثر اقترابًا من الناس فى «دوائرهم»، وبالتالى رأوا بأعينهم ابتهاج الشارع المصري، فور الإعلان عن الحزمة الجديدة للحماية الاجتماعية.
بمد الخط على استقامته، أتصور أن عددًا من المؤشرات المتزامنة مع القرارات الرئاسية الأخيرة، تدعو فى مجملها لمزيد من الاطمئنان، لعل أهمها ما صرح به د. مصطفى مدبولي، من أن هناك لجنة قانونية وفنية مشكلة بمجلس الوزراء، لدراسة عروض استثمار فى مشروعات مهمة، من المقرر أن تُدر «موارد ضخمة من النقد الأجنبي»، الفترة القادمة، لافتًا إلى الاستعانة بمكتب محاماة عالمي، لإعداد الصياغات النهائية لاتفاقات وعقود هذه المشروعات.
رئيس الوزراء أكد أنه قريبًا وعقب الانتهاء من المفاوضات سيتم الإعلان عن كل التفاصيل، مبينًا أن هذه المشروعات الاستثمارية الكبرى ستوفر مئات الآلاف من فرص العمل للشباب، وتساهم بقوة فى تشغيل الشركات المصرية، وانتعاش قطاع الصناعة، كما ستحقق نقلة نوعية ومزايا متعددة للدولة المصرية.
اقتراب مصر من الحصول كذلك على القرض من صندوق النقد الدولي.. وما أعلن عنه الاتحاد الأوروبى من بدئه تنفيذ خطة استثمارية تهدف إلى ضخ 9 مليارات يورو لدعم التنمية بمصر، ومساعدتها على التصدى للتداعيات الاقتصادية المتزايدة الناجمة عن الصراع فى المنطقة وملف الهجرة، حسبما كشف سفير الاتحاد الأوروبى لدى مصر كريستيان برجر.. كلها دلائل قوية على أن القادم أفضل، وأننا على أعتاب انفراجة اقتصادية، أكاد أجزم أن التوقعات المتزايدة بشأنها كان لها أثر مباشر على «السوق السوداء» للدولار، الذى ترنح سعره الموازي، وانخفض بشكل واضح على مدار الأيام الماضية.
بُعد آخر مهم لابد وأنه سيضبط إيقاع الأسعار بالأسواق الفترة القادمة، يتمثل فى الضربات الأمنية القوية ضد الاتجار بالنقد الأجنبي، ولتتأملوا معى حصيلة الأسبوع الماضى وحده، إذ كشف مصدر أمنى عن ضبط 186 قضية، تتضمن عملات أجنبية متنوعة، وبلغت قيمة المضبوطات نحو 114 مليون جنيه، مشددًا على استمرار الحملات الأمنية لملاحقة جرائم الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي، والمضاربة بأسعار العملات عن طريق إخفائها عن التداول، والاتجار بها خارج السوق المصرفية، بما يمثله ذلك من تداعيات سلبية على الاقتصاد القومى للبلاد.
وزارة الداخلية أعلنت أيضًا عن ضبطها أمس الأول فقط أكثر من 1200 قضية «حجب سلع»، وبلغ حجم المضبوطات 2400 طن «مخفية»، أبرزها أرز ودقيق ومواد بترولية، مؤكدة أن أجهزتها ستواصل جهودها لحماية المستهلكين، وإحكام الرقابة على الأسواق، والتصدى لمحاولات حجب السلع عن التداول، لرفع أسعارها.
وزارتا التنمية المحلية والتموين بدأتا أيضًا حملات موسعة بجميع المحافظات، لملاحقة المتلاعبين بالأسواق، وبأقوات الناس، وهى ترجمة على الأرض لتصريحات لرئيس الوزراء تلت القرارات الرئاسية الأخيرة بشأن حزمة الحماية الاجتماعية العاجلة، إذ شدد مدبولي، نصًا وبالحرف الواحد، على أن الحكومة ستتخذ ما يلزم من خطوات وإجراءات الفترة القادمة، لضبط الأسواق.
من هنا، أرى أن الأيام القادمة ستحمل الخير.. وبها ما يدعو للتفاؤل.. المهم أن نصطف معًا خلف القيادة السياسية.. ولا نصغى لـ «الغربان المتأسلمين»، الذين يحاولون باستماتة بث روح اليأس فى الداخل، عبر شاشاتهم المغرضة بالخارج، أو من خلال كتائبهم الإلكترونية على «السوشيال ميديا»، والجديد هو توجيهات تلقتها قواعدهم بالانتشار بين الناس، ونثر الشائعات بالتواصل المباشر، داخل المواصلات العامة، وبين الجيران، وفى الأسواق… إلخ
كلمتى فى النهاية، من ٧ حروف، لا أكثر ولا أقل.. «اطمئنوا».. إذا كانت المؤامرة فى الداخل، ومن الخارج كبيرة، فمصر أكبر منها.. وستتجاوز كل هذه التحديات بأمان.