دعم رئاسى غير محدود لتوطين صناعة الخامات الدوائية
رغم أزمة النواقص.. وقرب الانفراجة بتدخل حكومى
بنية تحتية ضخمة.. وامتلاك القدرة والتكنولوجـيا للتصـنيع والإنتـاج
أجمع الخبراء والمسئولون ورجال صناعة الدواء أن النقص الحاد فى المواد الخام.. وامتناع الدول المنتجة لها عن تصديرها وقت الأزمات.. إلى جانب ارتفاع سعر صرف الدولار وخسائر الشركات المحلية المنتجة بسبب الفجوة بين السعر والتكلفة.. هى الأسباب الرئيسية الحقيقية وراء أزمة الدواء الحالية واختفاء الكثير من الأصناف تماماً من الصيدليات.
بينما حملت تصريحات الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء البُشرى بانفراجة قريبة لتلك الأزمة.. والذى أكد فيها أن القطاع الخاص مسئول عن إنتاج الدواء بصورة كبيرة.. وفى ذات الوقت لا يمكن السماح بحدوث خسائر للشركات العاملة فى هذا القطاع.. مشدداً على ضرورة عودة عجلة الإنتاج فى قطاع الدواء بهدف انتهاء الأزمة تدريجياً.
>> هكذا أتت الحكومة بالحل العاجل.. ولكن ماذا بعد؟
ما واقع حالنا فى قطاع إنتاج الدواء.. وما التحديات التى تواجهه.. هل يمكن توفير احتياجاتنا من الدواء محلياً.. وهل لدى الدولة خطة لتطوير صناعة الدواء والنهوض بها..؟ والسؤال الأهم نوجهه إلى جميع أطراف منظومة الصناعات الطبية.. كيف نصل إلى الاكتفاء الذاتى من الدواء..؟
الحقيقة المؤكدة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أولى أهمية قصوى لقطاع الدواء عندما وجه بتوفير كافة الموارد المالية لدعم وتطوير صناعة الدواء وتوطين صناعة الخامات الدوائية وأدوية علاج الأورام والتكنولوجيا الحيوية بالاستعانة بخبرات الشركات العالمية المتخصصة فى إطار استراتيجية وطنية بما يعزز من جهود الدولة لامتلاك القدرة والتكنولوجيا المطلوبة للتصنيع والإنتاج.
>> والحقيقة الأخرى التى يؤكدها د. خالد عبدالغفار نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان أن مصر تمتلك قدرات فنية وكوادر بشرية ومصادر تمويل تؤهلها لأن تكون مركزاً رائداً فى الصناعات الدوائية وتصديرها إلى دول افريقيا وآسيا وأوروبا.. حيث تحقق مصر اكتفاء ذاتياً من الدواء بنسبة قد تصل ما بين 91 إلى 93 ٪ من الاستهلاك المحلي.. بينما تتم تغطية النسبة المتبقية من خلال المستحضرات المستوردة تامة الصنع.
>> هذه القدرات تؤكدها أيضاً الأرقام.. حيث تمتلك مصر 170 مصنعاً و700 خط إنتاج.. وتعتمد صناعة الدواء بنسبة كبيرة كما يقول د. على الغمراوى رئيس هيئة الدواء على شركات القطاع الخاص سواء المحلية أو العالمية.. والتى تنتج نحو 93 ٪ من إجمالى الإنتاج المحلى من الدواء.. موزعة بنسبة 74 ٪ للشركات المحلية.. و26 ٪ للشركات العالمية المتواجدة فى مصر.. بينما يساهم القطاع الحكومى بنحو 7 ٪ فقط من الإنتاج المحلي.
>> لم تقتصر الحقائق على الأرقام.. بل يؤكدها كذلك الواقع على الأرض.. حيث تجهز مصر بنية تحتية ضخمة للتصنيع الدوائى منذ افتتاح مدينة الدواء المصرية «جيبتوفارما» عام 2021 بالخانكة بمحافظة القليوبية على مساحة 180 فداناً لتكون مركزاً إقليميا لصناعة الدواء على أرض مصر.. ولتصبح الجمهورية الجديدة وجهة للاستثمارات الدوائية.. كما تضع مصر على خريطة سوق الأدوية العالمي.
>> ووفقاً لما ناقشناه فى هذا الملف تظل «المادة الخام الفعالة» هى المشكلة فى حلقة التصنيع من أجل الاكتفاء الذاتي.. بينما كشف المتخصصون أن مصر تمتلك كنزا من المواد الخام الفعالة فى 30 نباتاً طبياً وعطرياً عالية الجودة تزرع فى أرضنا الطيبة.. ولكن بهدف التصدير لدعم الدخل القومى من العملة الصعبة.. بينما يستورد المستثمرون مواد أقل جودة.. فى الوقت الذى يؤكد فيه الخبراء أن الاهتمام بالتوسع فى زراعة النباتات الطبية والعطرية تفتح آفاقاً جديد.
>> تفاصيل أخرى كثيرة فى قضية صناعة الدواء فى مصر والنهوض بها والمعوقات والتحديات التى تواجهها.. نناقشها فى سطور هذا الملف.
رغم الأزمة.. تقرير «فيتشى»:
مصر تقود صناعة الدواء خلال 10 سنوات
الصناعة الدوائية فى مصر، صناعة لا تقتصر على البعد الاقتصادى بما يحمله من عوامل الاستيراد وتغطية الاحتياج المحلى والتصدير، وإنما تمتد للبعد القومى كضرورة تمس حياة المواطنين كافة لابد من توفيرها وبأسعار تتناسب مع رعاية كافة المواطنين، تكشف الأرقام أن إنتاج مصر للدواء يغطى 91 ٪ من احتياجاتنا من الدواء فى حين نستورد 9 ٪ منها.
أدى ما يدور من أزمات عالمية بدءاً من الحرب الروسية ـ الأوكرانية وتأثيراتها على سلاسل الإمداد العالمية وانتهاء بأزمة النفط العالمى إلى التأثير على أسعار ما تستورده مصر من دواء ومدى توافره، وتزداد الأزمة فى إطار استيراد نحو 90 ٪ من المواد الخام والتى تحتاج نحو 100 مليون دولار شهرياً لاستيرادها الأمر الذى كان سبباً رئيسياً فى نقص الأدوية خلال الفترة الماضية.
قبل الأزمات العالمية الحالية استطاعت الدولة أن تقدم نموذجاً رائداً فى التصنيع الدوائى خاصة خلال أزمة كورونا، فعندما توقفت المنظومات الصحية فى دول العالم لعدم توافر المواد الدوائية، كانت البروتوكولات العلاجية متوفرة داخل مصر وليس هذا فقط بل قدمت مصر الدعم والمعونة للدول الصديقة والشقيقة بأعلى درجات الكفاءة.
ورغم التحديات الحالية لكن إنجاز مصر الدوائى يشهد به العالم فقد بلغ عدد مصانع الأدوية المرخصة فى مصر يتزايد وصادرات الدواء ومستحضرات التجميل والمستلزمات الطبية العام الماضى سجلت رقماً قياسياً وإجمالى الصادرات المصرية من المستحضرات البشرية والمستلزمات الطبية لدول العالم منذ بداية العام وحتى نهاية مارس 2022 بلغت 2.432 مليون دولار.
لذا جاءت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى لمواجهة الأزمات الخارجية والحفاظ على نجاح المنظومة الصحية من خلال توطين صناعات الدواء وعلى رأسها الأدوية البيولوجية والتى ستحل محل الأدوية التقليدية «العقاقير والكبسولات وغيرهما» مستقبلاً، ومن ثمار التوجيه الرئاسى جاءت مدينة الدواء التى تمثل طفرة وقفزة فى توطين هذه الصناعة وتحقيق الاكتفاء الذاتى من المواد الخام والأدوية كافة.
وقد استهدفت القيادة السياسية فى إطار الاتجاه للجمهورية الجديدة جعل مصر وجهة للاستثمارات الدوائية بالاعتماد على نقل التكنولوجيا الحديثة نحو جعل مصر مركزاً إقليمياً لهذه الصناعة، ولتحقيق هذا قدمت عدداً من الخطوات النوعية من خلال عقد الشراكات الاستراتيجية مثل الاتفاق على تصنيع الدواء وتقديمه بالمجان للمصريين للقضاء على فيروس C ضمن حملة 100 مليون صحة، إلى جانب إحكام إدارة السوق فقامت الدولة بوضع منظومة لرصد كافة الممارسات الخاطئة، وتشمل الامتناع عن البيع أو البيع بسعر أعلى من التسعيرات المحددة، وتتعامل معها بصورة قانونية واضحة قد تؤدى لغلق المنشآت، وبالفعل أغلقت عدة مخازن رصد فيها أخطاء.
ولتحقيق التوطين الصناعى ترفض هيئة الدواء أحياناً تسجيل بعض الأدوية طالما وجدت بدائل أرخص ثمناً لها فى مصر لاسيما أن السعر المصرى للدواء هو الأرخص عالمياً بالنظر للمادة الفعالة ذاتها.
لكن رغم كل هذه التحديات فإن تقرير مؤسسة فيتشى الدولية أبدى أن مصر ستقود صناعة الدواء فى المنطقة العربية خلال العشرة أعوام القادمة.
«هيئة الدواء»: 810 ملايين دولار صادراتنا من الأدوية فى 2024
يس: نصنع البدائل بجودة وفاعلية تضاهى المستورد
كتبت ـ لمياء قطب:
أكد الدكتور يس رجائى مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية أن أكثر من 15 ألف صنف مسجل فى هيئة الدواء وتم رصد ما يقرب من 81 مستحضراً فقط ضمن النواقص، مضيفاً أن عدم الاعتماد على مثائل الأدوية سبب فى ظهور نواقص أخري.
رجائى كشف عن أن مصر صدرت العام الماضى أدوية بنحو 660 مليون دولار زاد هذا العام لتصل لـ 810 ملايين دولار.. مشيراً إلى أن تصنيع كافة بدائل ومثائل المنتجات المستوردة بجودة وفاعلية تضاهى المنتج المستورد فى شركة أكديما إنترناشيونال ليساهم فى توفير احتياجات السوق.
كما أن الاعتماد على وسائل تنظيم الأسرة المتطورة التى توفرها أكديما إنترناشيونال للدولة وفر للدولة المصرية ما يعادل 115 مليون دولار خلال العام الماضي، مشيراً إلى أنه خلال الفترة الماضية كانت أكديما ذراع الدولة فى توفير احتياجات برامج تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية بأقل من تكلفة نظيرتها المستوردة بـ «60 %» مما يخفف العبء على المواطن.
رئيس الوزراء:
أزمة الأدوية ستنتهى.. وتنسيق مع غرفة الصناعة
ملف الدواء واحد من اولويات الحكومة، ولذلك تتحرك بكل قوة لتوطين صناعة الدواء مما لذلك من أهمية كبيرة.
الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء كشف فى مؤتمر صحفى له تفاصيل الازمة مؤكداً أن احتياجات وزارة الصحة من الدواء والمستلزمات الطبية، يقدر متوسطه بحوالى 250 مليون دولارشهريا ووقت حدوث ازمة العملة الاجنبية والصعوبات التى واجهتها الدولة فى هذا الصدد، وضماناً لحدوث استقرار كامل، وتأميناً لحجم الانتاج، كان لابد من وجود احتياطيات من المواد الخام والادوية فى حدود الـ 7 أشهر، ونتيجة لأزمة العملة تراجع حجم الاحتياطي.
و سعياً لاستقرار اسعار الدواء كان يتم تدبير العملة الاجنبية من جانب الدولة لمختلف مصانع الدواء بالسعر الرسمى للعملة على الرغم من وجود سوق موازية بأسعار اكبر من السعر الرسمي.
ومع حل ازمة العملة بدأت عمليات الانتاج بمصانع الادوية ولكن كان يتم ذلك مع وجود مشكلة، وهى مشكلة السعر، لأنه كان يتم تسعير الدواء على اساس سعر العملة الاجنبية بـ 30 جنيها أو 31 جنيها للدولارمقابل الجنيه، واليوم سعر الدولار الرسمى فى حدود 49 جنيها، وهو ما يحقق خسائر مباشرة لمختلف المصانع والشركات، وعدم قدرتها على الانتاج بهذه الاسعار، لافتا إلى ما تم من مناقشات ومفاوضات على مدار الفترة الماضية للوصول إلى توافق يضمن عدم زيادة الاسعار بصورة كبيرة على المواطنين، وعدم تكبد الشركات لمزيد من الخسائر.
وفى ذات السياق اشار رئيس الوزراء إلى ما يحدث من توازن فى هذا الصدد من خلال قيام الشركات بانتاج مجموعة من الادوية الرئيسية التى تخص صحة المواطنين، مثل الادوية الخاصة بمرضى السكر والضغط وبعض الادوية الخاصة بالأورام، مضيفاً: فى نفس الوقت تقوم الشركات بانتاج بعض المنتجات الاخرى كالمكملات الغذائية وما يخص ادوات التجميل منوها إلى أنه تم الاتفاق على ان تكون الزيادة فى اسعار الادوية الرئيسية زيادة معقولة على ان يتم تعويض جزء من الخسارة من خلال بيع المنتجات الأخري، التى من الممكن ان تكون غير ضرورية بشكل كبير للمواطنين.
ونوه رئيس الوزراء إلى ما تم عقده من اجتماعات ولقاءات فى هذا الصدد مع مسئولى غرف صناعة الادوية، ومجالس التصدير للوصول إلى نقطة توازن فيما يتعلق بملف الدواء، لافتا إلى أنه تم اقرارخطة بالتعاون والتنسيق مع الغرفة والمجالس تتعلق بمجموعة من الادوية يصل عددها إلى نحو 3000 صنف من الدواء تمثل 90 ٪ من حجم التداول بالسوق المصرية، مشيرا إلى ما يتم العمل عليه بالتعاون مع نائب رئيس الوزراء ورئيس هيئة الدواء، للانتهاء من هذه الأزمة فى اسرع وقت ممكن، خلال الاشهر الثلاثة القادمة، وبدء عودة الادوية الرئيسية لنفس معدلات انتاجها بالكامل خلال هذه المدة، قائلا: نسعى للتغلب على مشكلة الدواء خلال الثلاثة شهور القادمة.