مر التعليم عندنا بالكثير من «التجارب» من العديد من الدول، استوردنا عشرات التجارب الأجنبية، ويجب أن نعترف بالأخطاء، وأن تلك التجارب لم تكن مناسبة لنا ولم يسبق تطبيقها أى دراسة، وتتغير بتغير الوزراء، ويتم إلغاؤها واللجوء إلى تجربة أخرى كأن قطاع التعليم المصرى حقل تجارب، ولم تنجح منها تجربة واحدة، بدليل أنها لم يتبق أو يستمر منها أى تجربة، لذلك تتعرض للإزالة والتجريف والبدء من الصفر.
ولا شك أن التعليم ليس ثابتا من حيث المناهج وطرق التدريس ويشهد تطويرا وتحديثا باستمرار، طبقا لمعطيات وظروف كل عصر ومواكبة للتقدم التكنولوجي، لكن مازالت الثانوية العامة عندنا هى «البعبع» المرعب للأسرة المصرية والطلاب، ربما لأنها –كانت– تحدد مستقبل الطالب، وتمر بصعوبات وتحديات منها الدروس الخصوصية التى أصبحت أكبر الأعباء والأكثر استنزافا لدخل الأسرة.
ومن أوائل التصريحات التى أدلى بها وزير التربية والتعليم الجديد العمل على إغلاق السناتر ومعاقبة مدرسى الدروس الخصوصية، واعتبر الكثيرون التصريح للاستهلاك الإعلامي، لكن جاء القرار الوزاري، باتخاذ الإجراءات المتعلقة بالعام الدراسى الجديد وضبط العملية التعليمية وسير الدراسة، والالتزام بالزى والانضباط، ومكافحة الدروس الخصوصية، تمهيدا للقضاء عليها واتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المخالفين لا سيما المتغيبين عن المدرسة من المعلمين، واتخاذ الإجراءات تجاه من يمارس المهنة دون حق.
قد تكون هذه التصريحات بردا وسلاما على الكثير من الأسر والطلاب وخاصة محدودى الدخل، وناشدوا الحكومة ضرورة اتخاذ إجراءات رادعة ضد أصحاب السناتر، حتى يتم القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، أما العجب العجاب فهو رد فعل بعض المدرسين تجاه إعادة هيكلة المرحلة الثانوية، والتى تتضمن تخفيض عدد المواد وإعادة تصميم المحتوى للتخفيف من الأعباء عن الطلاب، وأصيبت مافيا الدروس الخصوصية والسناتر بالانهيار، بعدما حصلوا على مقدمات من طلبة الثانوية الجدد بملايين الجنيهات، وأصبحوا مطالبين بإعادتها بعد تغيير النظام.
منهم من أصابته صدمة عصبية كمن لدغته حية سامة، ومن أنها بعد إخراج المادة التى يقوم بتدريسها من المجموع أو إلغائها، ويرون أن بيوتهم قد خربت بعد «إغلاق» ماسورة الكسب «غير المشروع» التى تنهمر بالمال فى بيوتهم على حساب «الغلابة»، وتوقف تدفقات المليارات «السحت» التى تدخل جيوبهم، وتصل حسب بعض التقديرات إلى 001 مليار جنيه سنويا.
هذا النهب والسلب والاستغلال والاحتكار، جعل أحد مدرسى اللغة الفرنسية، يخرج على الناس منهارا باكيا فى فيديو مصور، «انتم خربتو بيتى وأنا خصيمكم يوم القيامة، أنا كنت عاوز أعيش سنى زى الناس اللى عايشة حياتها، وكل ده راح منى فجأة».
وهذا المدرس الذى أعلن عن منح أحد الأوائل سيارة يتخطى سعرها المليون ونصف المليون جنيه، ما أثار السؤال لدى الكثيرين، إذا كم يكسب فى السنة، وتردد أنه تراجع عن تقديم الهدية بعد تعديل نظام الثانوية.
ردود فعل مدرسى الدروس الخصوصية، تبين لنا حجم الكارثة التى يمر بها المجتمع من استغلال وتفكير فى كيفية النهب بلا مبالاة مهما كان ولو حساب الناس، وتحول أولئك المعلمون إلى تجار جشعين وتخلوا عن رسالتهم السامية فى التربية والتعليم.
نحن فى مفترق طرق، وأمام مرحلة فاصلة، إما أن نستمر فى هذا الخراب «التعليمي» وإما أن نصلح العملية التعليمية قبل أن تفسد بالكامل، ويجب أن نشجع الوزارة على هذه الخطوة والعمل على تنفيذها ومشاركة جميع أجهزة الدولة المختصة فى محاربة الدروس الخصوصية، وكى يتم ذلك يجب أولا إصلاح حال المدارس وتوفير المعلمين وقيامهم بواجباتهم، وتهيئة المدارس لاستقبال التلاميذ، والأهم ترك أولياء الأمور للدروس الخصوصية، والمشاركة فى تحمل المسئولية، لنتخلص من تلك الكارثة التى ابتلينا بها فى العقود الأخيرة بشكل مفجع ومفزع.