معدل البطالة واحد من أهم المؤشرات التى توضح سلامة الوضع الاقتصادى فى أى دولة، وهو يبين قدرة الحكومة على توفير فرص عمل جديدة للخريجين وللشباب الذى يدخل سوق العمل سنويا. وكلما كان عدد فرص العمل المتاحة فى مشروعات استثمارية ومنتجة أكثر كلما كان ذلك مؤشرا جيدا على تحسن الوضع الاقتصادى واستدامته.
فى مصر مطلوب من الحكومة توفير أكثر من 800 ألف فرصة عمل سنويا، وهو رقم ضخم يتطلب تخطيطا ورؤية متكاملة تحدد احتياجات كل قطاع اقتصادى على حدة، ومتطلبات كل محافظة او منطقة جغرافية، وتهيئة مناخ جاذب لإقامة مشروعات جديدة سواء من الناحية التشريعية أو التنفيذية، واهتماما بالمشروعات كثيفة العمالة فى نفس الوقت الذى يتطلب فيه تشجيع المشروعات التى تستخدم التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، وهى معادلة صعبة يتم علاجها بحساسية شديدة.
منذ أيام أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء عن انخفاض معدل البطالة فى مصرإلى 6.5 ٪ خلال الفترة من شهر ابريل الى شهر يونيو الماضى مقابل 6.7 ٪ خلال نفس الفترة من العام الماضي. وهذا دليل على أن الدولة– رغم كل التحديات الدولية والإقليمية والأزمات الاقتصادية التى ظهرت نتيجة للصراعات المحيطة بالمنطقة– مازالت قادرة على تهيئة مناخ جاذب للاستثمار، وعلى جذب رءوس أموال ومستثمرين لإقامة مشروعات جديدة تستوعب هذا الكم الهائل من الخريجين سنويا.
تراجع معدلات البطالة خلال السنوات العشر الماضية من 13 ٪ الى 6.5 ٪ يعد فى رأيى ردا عمليا على كل من هاجم المشروعات القومية الكبرى التى نفذتها وتنفذها الدولة فى كل المحافظات. فالمدن الجديدة التى بنيت، والطرق التى أنشئت، والكبارى التى أقيمت، والأنفاق التى حفرت، ومشروعات النقل التى تنفذ، كلها مشروعات شاركت وتشارك فى تنفيذها الاف الشركات التى يعمل بها مئات الالاف من العمال وتفتح الباب أمام توظيف الآلاف من الشباب الذى يدخل سوق العمل لأول مرة. ولايختلف اثنان على أن تنشيط القطاع العقارى يمكن أن يدفع أمامه عشرات القطاعات الصناعية والخدمية الأخري. فبناء مدينة جديدة يتطلب تشغيل مصانع الحديد والأسمنت والطوب والأخشاب والزجاج والسجاد والأثاث والسيراميك والأدوات الصحية والنقل وغيرها من القطاعات والمهن الأخري.
ولسنوات طويلة كانت الدولة تلجأ إلى حل مشكلة البطالة عن طريق التعيين فى جهازها الإداري، دون النظر الى الاحتياجات الفعلية أو التخصصات المطلوبة، فكنا نرى خريجى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية يعملون فى وزارة الزراعة، وخريجى كليات الآداب يتم توظيفهم فى مصلحة الكيمياء، وهذا الأمر أدى الى مشاكل إدارية وفنية واقتصادية ومالية لا حصر لها، حتى أصبح الجهاز الإدارى المصرى يضرب به المثل فى العالم كله لسوء ترهله وانعدام كفاءته، وثقل العبء الذى كان يلقيه على الموازنة العامة للدولة. والأن ومع تغير الأوضاع وتصحيح الرؤية واتباع المنهج العلمى فى التوظيف وفى إدارة الاقتصاد، أصبح القطاع الخاص هو الذى يقود المنظومة الاقتصادية فى مصر، واصبح التوظيف فى القطاع الحكومى محدودا ووفقا للاحتياجات والتخصصات المطلوبة، وتكفل القطاع الخاص بتوفير النسبة الأكبر من فرص العمالة وتوظيف الاعداد التى تدخل سوق العمل سنويا، وهو أمر يتطلب منح كل التيسيرات والمزايا لهذا القطاع كى يؤدى مهمته على أكمل وجه.