تداعت إلى الذهن كلمات شاعرنا العظيم «أحمد شوقي» عند قراءة خطاب «نتنياهو» أمام المؤتمر السنوى «للجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية» «أيباك» فى قصيدته « الثعلب» «برز الثعلب فى شعار «الواعظينا» فمشى فى الأرض يهذى ويسب الماكرينا يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا».. لقد استهل خطابه باسقاط ما حدث فى هجوم «بروكسل» على المقاومة الفلسطينية والربط بينه وبين هجوم 7 أكتوبر وتدويله بقوله إن ذلك الهجوم ما هو إلاجزء من هجوم عالمى يشنه إسلاميون متطرفون ضمن تلك الهجمات الفلسطينية الشرسة ضد الإسرائيليين.. وقد ربط بين المطالب الفلسطينية المشروعة بما أسماه بمظالم الإرهابيين غير القابلة للحل قائلاً: كما لو كان بإمكاننا أن نقدم لهم بروكسل أو كاليفورنيا أو حتى الضفة الغربية وحتى ذلك ليس بكاف لرد مظالمهم.. أن أسلوبه الملتوى من خلال الالتفاف على الأحداث واستعداء العالم على الفلسطينيين بإدعاء أن غرضهم الأساسى هو التدمير التام وتحقيق الهيمنة الكاملة واختفاء إسرائيل من الوجود.. وقد صور الشعب الفلسطينى بالشيطان الذى يقض مضاجع ليس الإسرائيليين فحسب بل والعالم أجمع وأن السبيل الوحيد للقضاء على ذلك الشر أو هؤلاء الإرهابيين هو الاتحاد لإنزال الهزيمة بهم .. لقد ارتدى «نتنياهو» ثياب الواعظين واتخذ من المؤتمر منبراً يعظ من خلاله العالم وينبه إلى ذلك الخطر المحدق به والمتمثل فى هؤلاء الفلسطينيين العزل الذين قتل أطفالهم ونساءهم فى واحدة من أفظع عمليات الإبادة الجماعية والتجويع الذى يطلق عليه سلاح الدمار الشامل الصامت.. لقد ظن «نتنياهو» ذلك الذئب المتدثر فى ثياب الحملان إنه يمكن أن يخدع العالم ومؤسسات المجتمع المدنى وحتى الأفراد العاديين من الإسرائيليين الذين نعتوه بالسفاح واصطفوا وراء الشعب الفلسطينى وحقه المشروع فى العيش الآمن.. إن «طوفان الأقصي»ليس مجرد عمل إجرامى قام به مجموعة من الإرهابيين كما يدعى بل هو نضال شعب يكافح من أجل حقه فى الحياة فى مواجهة عدو شرس يريد محوه من الوجود.. لقد وصل الأمر «بنتياهو» إلى اختصام الأمم المتحدة واتهامها بالتحيز ضد إسرائيل من خلال قيام «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة بتعين السيد «ستانلى مايكل» أستاذ القانون مقرراً لحقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية والعمل على اقصاء أى سلطة تنتقد الانتهاكات الإسرائيلية .. لقد دخل «نتنياهو»فى خصومة مع «الأمم المتحدة» ذلك التنظيم الدولى المنوط به الحفاظ على السلم والأمن الدوليين بدعوى قيامه بالترشيح المباشر للمكلفين بهذه المهام دون الرجوع إلى حكوماتهم والذى يرى أنه لا يمثلها أو يعبر عن وجهة نظرها.. فى ظل ذلك السيل من «الانتقادات» والاتهامات من قبل «نتنياهو» للأمم المتحدة اتهامها بالسعى الدءوب لإقامة الدولة الفلسطينية قبل الالتزام الفلسطينى بالسلام وهو ما سوف يكون له نتائج مدمرة للغاية على حد تعبيره إذ أن السلام لن يتحقق إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين.. أن العيب ليس فى «نتنياهو» ولكن فى تلك القيادات ورؤساء الحكومات التى تستقبله وتسمح له باعتلاء منابرها لبث أكاذيبه وسمومه وليس من ختام لهذه المزاعم والأكاذيب سوى ذلك البيت الشعرى الذى اختتم به أحمد شوقى «قصيدة الثعلب».. «إنهم قالوا وخير القول قول العارفين .. مخطئ من ظن يوماً إن للثعلب ديناً».