فى عام 1912 بدأ الروائى التشيكى الشاب فرانز كافكا فى كتابة روايته المذهلة «التحول» وهى رواية يطرح فيها المؤلف تحول العلاقات الإنسانية من النقيض إلى النقيض وفقاً لمحددات المنفعة المتبادلة، فكلما كنت قادراً على الفعل المنتج للمنافع ظللت تلقى كل الاهتمام والحب وحينما تتوقف عن الفعل والعطاء يتحول الحب إلى كراهية والاحترام إلى ازدراء ويتلاشى الاهتمام تماماً حتى يصل لمرحلة التجاهل التام، ينظر البعض إلى هؤلاء الخارجين من دوائر الفعل والعطاء والاهتمام على أنهم لا شيء أو أنهم حشرات لا أكثر ولا أقل، يبدأ كافكا روايته بتلك العبارة الصادمة «إذ استيقظ ـ غريغور سامسا ـ ذات صباح، على إثر أحلام سادها الاضطراب، ووجد أنه قد تحوَّل وهو فى سريره إلى حشرة عملاقة» ثم تدور الرواية فى قالب عجيب فالجسد تحول إلى جسد صرصور مرعب والوعى الإنسانى كما هو موجود ومتوهج وهنا تكمن العقدة الروائية فى رؤية الإنسان الذى تحول إلى حشرة ومازال يحمل عقل ووعى إنسان، فكيف سيتعامل معه الناس؟
وفى عام 2016 ظهر المخرج والممثل مايكل مانسيرى فى فيلم يجمع ما بين الخيال العلمى والواقعية فى حالة سينمائية تمثل أعلى درجات الفانتازيا الفنية، هذا الفيلم حمل عنوان «الرجل البعوضة ب» ويحكى عن قصة رجل يمر بيوم عاصف يقلب حياته رأساً على عقب، يذهب إلى عمله فيكتشف انه قد تمت إقالته فينزل غاضباً لينقل سيارته فيجد الإطارات الأربعة على الأرض، فيستقل تاكسى أجرة لتوصيله إلى منزله ويقع حادث ضخم فى الطريق حيث يصدم التاكسى أحد المارة اثناء عبور الطريق ويصاب صاحبنا بحالة إغماء ويتوقف بعض المارة لمحاولة إنقاذ المصاب ويتبرع أحدهم باصطحاب الرجل فى سيارته لإسعافه وفى الطريق يقنعه بأن يذهبا معاً إلى حانة ليحتسيا الجعة والكحوليات وذهبا بالفعل واستمرا فى تناول المشروبات الروحية حتى الثمالة، ثم أخذه إلى معمل خاص بأبحاث الحشرات كان يملكه هذا الرجل ولما كان صاحبنا لا يشعر ولا يدرى بما يدور حوله استغل صاحب المعمل هذه الحالة وقام بحقنه بمركبات كيماوية وبيولوجية لاستكمال مشروعه البحثي، الخلاصة تحول الرجل إلى بعوضة ب يمص دماء ضحاياه ويمارس ما يمارسه البعوض فى إزعاج الناس ومطاردتهم ونقل الأمراض فيما بينهم، ويستمر الفيلم بهذه الوتيرة الصاخبة والسريعة فى موجة من اللا منطق واللا وعى وبشكل ساخر وخيالى لكنه ممتع ولا تملك إلا متابعته للنهاية.. هذه القصة الخيالية فتحت نافذة كبيرة أمامى لدراسة ظاهرة الرجل البعوضة فى واقعنا المعاش، وهل حقاً يمكن أن نجد ذلك فى حياتنا؟ دون تفكير أو بحث وتنقيب وجدت نفسى أقف عند شخصيات عديدة أعرفها وأتقابل معها وهى تقوم بدور البعوضة طنين وأصوات كريهة ولدغات مسمومة ومص دماء كل من يقابله دون تمييز ونقل تلك الدماء إلى آخرين ومع انتباه أحدهم لذلك يسارع الرجل البعوضة الاختباء والعودة إلى مستنقع البعوض مجدداً، هل قابل أحدكم الرجل البعوضة من قبل؟