يبدو أن مقاييس نجاح الإعلام فى هذا الزمان قد تغيرت بالفعل فبعد أن كان الإعلامى –كل حسب تخصصه–يسعى إلى أن يكون له دور إيجابى فى مجتمعه بطرحه للقضايا وتقديم المعلومات ووجهات النظر المختلفة حولها والبحث عن الحلول وبذلك يحقق النجاح والتأثير فى الجمهور أصبح لدينا نوع من الإعلاميين يسعى إلى إثارة الجدل حوله بأى طريقه وهو ما يعرف بـ «ركوب التريند» ويرى أنه بذلك قد يحقق النجاح المراد فى ظل المنافسة المشتعلة ليس فقط على الشاشات ولكن أيضا عبر وسائل التواصل الاجتماعى وهى الأهم بالنسبة له.
مؤخرا طل علينا أحد الإعلاميين عبر برنامجه بقناة فضائية وأثار حالة من الجدل أشعل مواقع التواصل الاجتماعى بعد تعليقه على المناهج الدراسية بالمرحلة الثانوية مطالبا بإلغاء دراسة التاريخ والجغرافيا والفلسفة، حيث قال: «ممكن ندرس التاريخ فى مراحل التعليم الأساسى فى ابتدائى وإعدادى فقط، وهو ما أثار عاصفة من الجدل مصحوبة بهجوم عليه فسن الثانوية العامة هو العمر المناسب ليعرف الطالب تاريخ وجغرافية بلده!
المسألة بالنسبة لهذا الإعلامى ليست خطأ غير مقصود أو خروجاً عن السياق بدليل أن له وقائع مشابهة أخرى كثيرة فى نفس البرنامج أثارت أيضا جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعى وجلبت عليه انتقادات وردود أفعال كبيرة وصل بعضها إلى ساحات المحاكم منها مثلا تصريحه فى عام 2021 حول الصعايدة، عندما تحدث عن معدلات الإنجاب فى الصعيد بطريقة غير لائقة وصفت بأنها مهينة وعنصرية، فقال: «الصعايدة بيخلفوا عيال عشان يشتغلوا خدامين» وتسبب ذلك فى قيام عدد من محامى الصعيد ببلاغات ضده أمام النيابة العامة مما دفعه لتقديم اعتذار علني، لاحتواء الأزمة، وبنفس الطريقة واصل نفس المذيع تصريحاته حول بعض الفنانين، ولاعبى كرة القدم فى أمور شخصية كالزواج والطلاق وغيرها وبعد كل ضجة يخرج ليعتذر ويقول إنه لم يكن يقصد إلا أن هذا النموذج من المذيعين لا يعتبر نفسه خاسرا بعد كل جولة من هذه الجولات ويرى أن إثارة الجدل ولو بالنقد تجلب له المزيد من المتابعين وتجعله يركب التريند، وهو المطلوب.
عودة إلى تصريحه الأخير حول مطالبته بإلغاء دراسة التاريخ والجغرافيا والفلسفة!! وضع ما شئت من علامات تعجب ففكرة أن مذيعا يقترح تغيير المناهج الدراسية فى حد ذاتها وبغض النظر عن مقترحه بالحذف أو الإضافة تحتاج إلى وقفة فهناك علم قائم بذاته اسمه «علم المناهج» له علماء متخصصون فيه لديهم القدرة على تحديد المناهج التى تدرس وفى أى عمر يجب أن تدرس وما مضامينها وكم المدة والمرحلة الدراسية التى يتطلبها تدريس المنهج الفلانى دون غيره وهل يدرس فى المرحلة الابتدائية أم الإعدادية أم الثانوية أم فى جميعها وعلم المناهج وطرق التدريس مرتبط بعلوم النفس والسلوك والطب والاجتماع ولا تستغرب لو علمت أنها أيضا مرتبطة بعلوم البيئة والمناخ.
المسألة ليست مجرد تنظير أو إلقاء قنبلة فى الفضاء الالكترونى وعلى حد علمى أن المذيع المذكور غير متخصص فيما سبق وحتى نكون محايدين كان بإمكانه مثلا مناقشة الموضوع مع متخصصين هم من يقولون أما هو فيصمت.
أخيرا: هل يعقل فى بلد بتاريخ وجغرافية مصر وبما فيها من كنوز وما تملكه من حضارة تمتد لآلاف السنين يطل علينا من يريد إلغاء دراسة تاريخها وجغرافيتها؟! ألم يصل لعلم مذيعنا أن هناك دولاً تسرق تاريخ الآخرين وحضارتهم وتنسبهما لنفسها حتى تضعهما زورا فى مناهجها وتدرسهما لأبنائها؟!