راهنت علي هذا الممثل الذي عرفه الجمهور بفيلم آثار الجدل والغضب لما فيه من عنف وبلطجة مجانية.. لكنه تحول بعد ذلك مستثمرا معرفة الناس به وأدهشنا بحضوره الفني.. في أعماله التالية.. حتي أصبح في الصدارة مع مجموعة من يمثلون بحق.. لنا وليس علينا من طراز.. ماجد الكدواني وخالد الصاوي وخالد النبوي وأحمد داود وفي السنوات الثلاث الأخيرة كان قد عرف كيف يمسك بخيط التميز ولا يفرط فيه.. والممثل الجيد تعرفه إذا نجح في التلون من شخصية إلي أخري.. وفي مسلسل «لعبة نيوتن» علي سبيل المثال.. جسد الدور المركب.. وكأنه جروب من الممثلين في شخص واحد.. يضحك ويبكي ويتألم ويحب ويكره ويتشدد.. ويتراجع.. وفي كل الأحوال أنت تصدقه.. وهذه سمات الممثل البارع الذي يشبه تلك الفاكهة التي تجدها في كل المواسم.. وهي تتخذ لنفسها كل الألوان.. وانظروا إلي العفريت فراج في فيلم «فوي فوي» والعجيب في أمر هذا «الفراج» أنه جاء من الاتجاه العكسي فالغالبية من أبناء تلك المهنة يتركون دراسات الطب والهندسة والعلوم والتجارة والآداب والحقوق.. شوقا إلي معهد الفنون المسرحية أو السينما.. ولكنه ترك معهد السينما واتجه إلي التجارة، وانضم إلي فرق الجامعة المسرحية التي كانت البوابة الأولي الذهبية لاكتشاف النجوم ثم اتجه إلي فابريكة خالد جلال التي قدمت عشرات النوابغ اللامعة.. لكي تبدأ رحلة بلغت عامها العشرين في هذا الموسم ٣٢٠٢ الذي حجز فيه مقعده بالصفوف الأولي وكالعادة غالبا ما تكون الأدوار الأولي فترات تجريبية.. واستمر علي هذا الحال وأنا شخصيا استوقفني في مسلسل «بدون ذكر أسماء» للكاتب الكبير وحيد حامد وهو يتدخل في اختيار الأدوار الرئيسية في معظم أعماله ووجود فراج معناه شهادة جدارة بدليل مشاركته بعد ذلك في مسلسل «الجماعة» بجزئيه الأول والثاني.
ويتأكد التميز وترتفع الأسهم في مسلسلات من نوعية هذا المساء ــ أهو ده إللي صار ـ خلي بالك من زيزي الاختيار ـ العائدون ــ وقل ما تشاء عن «لعبة نيوتن» مع مني زكي والداهية محمد ممدوح.. حتي إذا بلغ عام ٣٢٠٢ كان قد طاب واستوي وبلغ مرحلة من النضج الواضح وأن كانت تضعه في مأزق: وماذا بعد؟.. وعليه أن يسأل نفسه: هل تريد يا فراج أن تمشي في سكة يحيي الفخراني عزيز الحضور كل اطلالة هي إضافة جديدة.. وكل غياب يجعلك أكثر حضوراً في قلوب وعقل كل من يعرف الفارق بين تمثيل لأكل العيش والسبوبة.. وتمثيل لكتابة التاريخ والجغرافيا وأكل العيش والبقلاوة!
لا بابا ولا ماما
من نفس عينة محمد فراج.. وأسمها حنان مطاوع.. درست وعرفت واكتسبت خبرات منزلية كثيرة فهي تنتمي إلي عائلة فنية وصحفية.. خالتها وزوجها من كبار الصحفيين وأنتم تعرفون بابا وماما.. ولكنها اعتمدت علي موهبتها ولولا ذلك ما استمرت لأن الفن لا يعترف بالوراثة وقد يتواجد الابن أو الابنة في الوسط لكنه سيصبح مجرد «نمرة» باهتة لا حضور ولا تميز.
وأضف إلي ذلك أن الدراسة المتخصصة قد تساعد لكنها ليست كل شيء فكم من أستاذ بمعهد السينما في علم السيناريو ولكنه لم يكتب مشهدا في حياته.. وبعكس ذلك الغالبية من كبار السيناريو المشاهير تعلموا الكتابة من الكتابة نفسها وحنان ابنة الست سهير المرشدي والأستاذ كرم مطاوع.. أخذت الطريق بجد.. ولا اعتماد علي أنوثتها أو أخبار لمجرد الفرقعة.. وظهورها في برامج التسالي والخصوصيات قليلة أن لم تكن نادرة فقد وضعت طاقتها كلها في التشخيص وقد سألت زملاء وأصدقاء من مخرجين عملوا معها كيف هي في الاستديو وأثناء التصوير وكانت إجابتهم جميعا أنها مطيعة ومجتهدة وتريد أن تبلغ إلي أعماق الشخصية التي تلعبها.. وهكذا وصلت إلينا في الأعمال التي وضعتها في الصدارة.. رغم أن موضوعاتها ليست جديدة مثلما رأينا في مسلسل «صوت وصورة» الجريمة التي يتهم فيها أحد الأبرياء وتكون كل الدلائل ضده.. وتحدث المطاردة من البوليس بحثا عنه حتي يتم الكشف عن القاتل الحقيقي.. لكن الجديد وجود ممثلة تستطيع في مشاهد كثيرة صامتة أن تقول الكثير.. لكن المؤلف محمد سليمان عبدالمالك قام بعملية إعادة طلاء للقصة القديمة عندما ربطها بوسائل التواصل الاجتماعي وأثرها علي الشخصيات المغمورة التي تجد نفسها بين عشية وضحية «راكبة التريند».. ونجح أن يثير الشكوك علي شخصيات عديدة من خلال علاقات متشابكة مع بطلة العمل.. واختيار طاقم المسلسل ساهم أيضا في نجاحه وأبرز هؤلاء المدهش «صدقي صخر» ذلك الممثل الطبيعي إلي جانب عمر وهبة الذي خرج من «بامبرز» لذيذ ثم إدارة كل هؤلاء من جانب المخرج محمود عبدالتواب.
وكانت حنان قادرة علي حمل هذه الشيلة.. والممثلة التي تقول «أنا هنا» في عمل من نوعية «سره الباتع» ووسط زحمة من الأسماء اللامعة والخيرة يمكنها أن تفعل الكثير.. وكم كانت مبهرة وعميقة في مسلسل «القاهرة كابول» للكاتب الكبير عبدالرحيم كمال.. وممثلة مثل حنان لن تجدها في أحسن حالاتها إلا من خلال سيناريو يفجر ينابيع الإبداع عندها.. وهي ما تزال تملك
ومشكلة فراج وحنان وكل ممثل جيد أن يجد النص الذي يستفزه ويساعده في شحن بطاريات الأداء الرفيع.. وقد يلعب الممثل في عمل عادي من حيث الكتابة.. ولكنه يستطيع أن يشغلك بالأداء العالي عن هفوات النص أو موضوعه المكرر.
كما رأينا فراج في مسلسل «بطن الحوت» حيث أجواء المخدرات.. والتناقض بين الأخ وأخيه وكان هذا هو الخط الذي أمسك به فراج ولعب عليه.. مع باسم السمرة..
والموهبة الاستثنائية تحتاج إلي كتابات استثنائية حتي لو غابت سنة.. وقد لجأ فراج إلي الإعلانات كوسيلة تحميه فنيا ولا بأس لكن الاسراف في ذلك تبدد طاقتها وتقلل من قيمة صورته علي الشاشة وهو ما ابتعدت عنه حنان حتي ساعته وتاريخه مع احترامي للظروف الخاصة لكل فنان لكن الجري وراء الفلوس في كل حته بمناسبة أو بدون مناسبة يحول الفنان إلي «بيومي» جديد!!