لم نعد نستطيع متابعة جميع الأحداث من فرط تلاحق الصراعات والحروب من «كورسك» فى روسيا بعد الاختراق والهجوم الأوكرانى على الحدود الروسية فى أحداث مفاجئة وغريبة إلى غزة التى مازال فيها العدوان الصهيونى مستمراً ودخل الشهر الحادى العشر إلى طهران التى يترقب العالم ثأرها وردها على مقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس الذى اغتالته إسرائيل فى قلب طهران عندما حل عليها ضيفاً للمشاركة فى حفل تنصيب الرئيس الجديد.. والمنطقة أيضاً تضع يدها على قلبها من اشتعال الموقف وتعدد الجبهات خاصة وان الرد الإيرانى سيكون مدعوماً من حزب الله فى لبنان والحوثيين فى اليمن وربما من مناطق أخري.
بعض التقارير والتحليلات تشير إلى أن إيران لن ترد.. وان الوفد الأمريكى الذى زار طهران سراً أنهى الصفقة وباتت إيران تصدر الآن ان وقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة ربما يمنع الهجوم الإيرانى على تل أبيب.. لكن الغريب ان توقعات هذه الفريق لم تكن متحمسة لفكرة الرد الإيراني.. وأكدت ان طهران لن ترد وان الواقعة ستكون مثل سوابق أخرى فى الماضى مثل الاغتيال الأمريكى لقاسم سليمانى قائد الحرس الثورى الإيرانى أو الاستهداف الإسرائيلى الأخيرة للقنصلية الإيرانية فى دمشق واغتيال 7 ضباط من الحرس الثورى الإيراني.
الفريق الثانى الذى يتوقع رداً إيرانياً يتأرجح بين كونه محدودا وعنيفاً لكن فى النهاية هناك هجوم إيرانى متوقع حتى وان طال انتظاره وهذا الانتظار يكبد إسرائيل خسائر هائلة وفادحة.. وحالة من الفزع والتأهب فى المجتمع الإسرائيلي.. وفى ظنى أن من سيوجه ضربة عسكرية أو يخوض حربا لا يعلن ذلك بل تكون مفاجئة.. لذلك من السذاجة حتى ان إسرائيل تتحدث عن ضربة استباقية لإيران قبل هجوم طهران المتوقع.. لكن السؤال إذا كانت إسرائيل تدرك ان هناك هجوماً إيرانياً متوقعا عليها فلماذا لم تباغت بتوجيه الضربة الاستباقية؟.. لذلك يقولون ان تل أبيب تعلم ان إيران لن تقوم بهجوم خاصة فى ظل التهديد والوعيد والرسائل والتحذيرات الأمريكية والغربية لطهران حال توجيه هجوم على إسرائيل.
الغريب والعجيب بل والفاضح ان أمريكا ومعها الغرب لم تتحرك على مدار 11 شهراً لانقاذ الشعب الفلسطينى الذى يتعرض لحرب إبادة وحصار وقتل للأطفال والنساء والأبرياء وتدمير القطاع ومنشآته وتجويع وكوارث وانتهاكات إنسانية وأخلاقية وإجرام غير مسبوق.. ولكن اختلف الأمر عندما اطلقت إيران التهديدات بالهجوم على إسرائيل وجدنا حالة من الاستنفار الأمريكي- الأوروبى والدفع بالبوارج وأحدث المقاتلات وحاملات الطائرات والغواصات والمدمرات ومضادات الصواريخ وأحدث أنظمة الدفاع الجوى والكوماندوز من أجل حماية وانقاذ إسرائيل.. بل وأعلنت خمس دول على رأسها الولايات المتحدة ومعها فرنسا وبريطانيا وألمانيا التدخل فى الحرب دفاعاً وحماية لإسرائيل وردعاً لإيران فى حال تفكير الأخيرة فى شن هجوم على إسرائيل.
التناقض الأمريكي- الغربى واختلال وازدواجية المعايير هو سبب رئيسى لإحباط دولى متصاعد مع النظام العالمى القديم والقائم الذى تقوده واشنطن.. ويشير إلى ان هناك موافقة ومباركة ودعماً وتمويلاً «أمريكياً- غربياً» لعدوان إسرائيل على قطاع غزة وهو ما يكشف سبب التصعيد وإطالة زمن العدوان واستمرار نتنياهو فى غيه الإجرامى وممارسات الحكومة الصهيونية المتطرفة.
من (كورسك) وكييف إلى السودان.. إلى غزة.. إلى طهران.. إلى لبنان.. إلى القرن الأفريقي.. والبحر الأحمر ونذر الحرب التى قد تمتد إلى البحر المتوسط.. لم نعد نستطيع المتابعة وسط هذه الصراعات والحرائق المتلاحقة ولم نعد نعلم من أين ستأتى عواصف الحرب الشاملة أو مكان وموعد الحرب العالمية الثالثة.. فالعالم يغلي.. أزمات وصراعات واحتجاجات داخلية واقتتال أهلى واغتيالات وكوارث طبيعية وأجواء شديدة الحرارة وزلازل وسط توقعات بالأسوأ ولم نعد نعلم إلى أين يمضى هذا العالم حتى ان المحللين والخبراء يؤكدون ان نجاح كامالا هاريس أو دونالد ترامب لن يغير فى الأمر شيئاً.. بل ربما يزيد الأمور اشتعالا وتأزماً فإن كانت «كاملا» متحفظة على العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وسياسات نتنياهو المتطرفة والتداعيات الإنسانية للإجرام الإسرائيلى فى غزة لكن يرى البعض أنها امتداد لسياسات الخداع وتبادل الأدوار التى تمارسها إدارة الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن وكامالا نائبته الآن.. وان نجاح كاملا ربما سيبقى على السيناريو القائم للعدوان الإسرائيلى على غزة والدعم والتأييد المطلق وفيما يتعلق بالحرب الروسية- الأوكرانية فإن المحللين يتوقعون استمرار الدعم الأمريكى وبالتالى الأوروبى لأوكرانيا وان الحرب سوف تستمر من أجل تحقيق أهدافها فى استنزاف وإنهاك وتعطيل وإشغال روسيا.
على الوجه الآخر فإن رونالد ترامب معروف بتأييده الأعمى والمطلق لإسرائيل وهو صديق شخصى لنتنياهو وهو من قرر ان تكون القدس عاصمة لإسرائيل.. وضد القضية الفلسطينية قولاً وفعلاً ويجاهر بذلك.. ولكن ربما يكون الاختلاف ان ترامب لديه موقف واضح وحاد ضد أوكرانيا وزيلنسكى ويرفض استمرار الدعم الأمريكى المالى والعسكرى لكييف ولا يحب الرئيس الأوكرانى الذى يصفه بما هو غير لائق.
ظنى ان روسيا سوف تتجاوز عملية اختراق حدودها فى «كورسك» وربما يتخلى بوتين عن حكمته وعدم اندفاعه أو تهوره تلك السياسة التى التزم بها منذ اندلاع الحرب فى فبراير 2022 وربما يلجأ إلى أسلحة لم تستخدم فى الحرب خاصة (الأسلحة النووية التكتيكية) لأن الأمر وصل إلى داره كما يقولون ويحشد كافة قواته ويستعين بأصدقائه لسحق هذا الاختراق والاجهاز على القوات الأوكرانية المدعومة بالأسلحة الأمريكية والغربية مثل طائرات اف-16 والدبابات الألمانية والمضادات.. لكن اتفق الخبراء ان القوات الأوكرانية سوف تلقى مصيراً مأساوياً وربما يقرر بوتين حسم الصراع بالوصول إلى العاصمة كييف.. أو توسع الحرب لتشمل دولاً أوروبية أخرى خاصة ألمانيا التى فشلت بقيادة هتلر فى اخضاع كورسك وهزمت على يد قوات الاتحاد السوفيتى بعد معارك طاحنة وخسائر فادحة من الطرفين.
هنا «أقول» ان كل ما يجرى مرسوم ومخطط ونتنياهو لا يريد السلام وسيعمل دائماً على محاولات افساد واجهاض كل الجهود والوساطات لأنه مدعوم ومدفوع ومسنود ومطمئن من الأمريكان والغرب وليس فقط لأنه يريد البقاء والحفاظ على مستقبله السياسى أو النجاة من العقاب والحساب.. فهو يعرف ماذا يفعل؟