لم يكن الاقتصاد القومى فى بداية التسعينيات فى أفضل أحواله وكانت الحكومة مقدمة على قرض من صندوق النقد الدولى شأنها شأن كل الاقتصاديات النامية لمواجهة نقص النقد الأجنبى وشراء السلع الاساسية من الغرب لدرجة ان الاقتصاد أصبح عاجزاً عن مواجهة الالتزمات الضرورية.
كان لابد ان يثبت أصحاب القرار فى الحكومة إصرارهم على الدخول فى الخصخصة للحصول على القرض وكانت المفاوضات مع المستثمرين تدور حول بيع شركتى الكوكاكولا والبيبسى كولا وكل من الشركتين تحقق أرباحاً معقولة وكشفت المفاوضات عن أن الأرباح مرشحة للزيادة عقب اتمام الصفقة لكن صاحب صفقة الكوكاكولا أراد استغلال العوز الذى يعانى منه الاقتصاد وحاول خفض قيمة الصفقة بعد تداول خبر البيع وخرج علينا المهندس عادل الشهاوى رئيس القابضة العذائية سابقاً يعلن إلغاء الصفقة لأنه لا يستطيع تحمل خسارة الاقتصاد مبلغ بالملايين بسبب ضغوط المستثمر.
مضى الشهاوى فى بيع شركة البيبسى كولا بثمن متفق عليه من قبل لتكون أولى صفقات الخصخصة وبعدها بعدة أيام تم بيع الكوكاكولا بثمن عادل ودون ضغوط وقد صحت التوقعات بقيام المستثمر الجديد فى كل شركة بزيادة سعر المنتج ليحصل على أرباح مضاعفة.
الحق أقول إن الخصخصة ليست سبة أو عيباً ولكن الجرم الذى ارتكبته قيادات القطاع العام فى هذا التوقيت هو الترهل فى إدارة الشركات وتحميل الشركات أعباء سيادية كبيرة مثل العمالة الزائدة وعدم وجود حوكمة فى الإدارة أو نضج فى اتخاذ القرار لدرجة أن نصف أعضاء مجلس الإدارة من العمال وليس من الخبراء ولا يوجد اهتمام بجودة المنتج أو تصريف المخزون وتطبيق الأساليب العلمية فى التسويق.
عندما تعرفت على تجربة الخصخصة فى فيتنام وجدت المسئولين هناك ينظرون إلى القطاع العام نظرة مختلفة عن مصر وإذا كان لابد من الابقاء على مصانع القطاع العام يجب أن يكون قادراً على التعامل مع السوق والحوكمة التى عرفت الطريق اليهم قبلنا والقادر على البقاء هو ما يجب الحفاظ على ومساندته اما غير القادر فيتم فتح الباب للخاص للدخول فيه وتطويره واستطاعت فيتنام اليوم أن تقفز بالصادرات إلى 400 مليار دولار سنوياً بدون التفرقة بين العام والخاص.
أما الآن فقد اختلف معنى الخصخصة بعد ان غيرت الحكومة القانون 203 وادخلت تعديلات تحظر بيع الاصول لمستثمرين ولكن تسمح بالشراكة معهم لضخ تكنولوجيا جديدة واستثمارات جديدة وتم جذب عشرات من المستثمرين فى صناعات يحتاج لها الاقتصاد خاصة فى صناعات مثل الأسمدة بعد أن تهالكت فيها المصانع واحتاجت إلى تكنولوجيا جديدة لإنتاج الهيدروجين الاخضر ويتم توفير الطاقة من دوران طواحين الهواء وهذا ما سيحدث فى النصر للأسمدة بالسويس وطلخا.
لم يعد هناك وقت نضيعه على القطاع العام وما كان يحدث فيه من مزايا واخفاقات ولكن يجب اغتنام الفرص التى تظهر فى الأفق للوصول إلى اقتصاد متسارع يحقق نسب نمو لا تقل عن 10٪ وتحويل مصر إلى مركز إقليمى لتصدير المنتجات صديقة البيئة والطاقة النظيفة بعد ان بلغ الاختلال البيئى اقصاه وأصبح عالم الاقتصاد قريباً من دنيا التخصص.