عندما نرى أمامنا دولا كانت ملء السمع والبصر وفجأة تتحول إلى أشباه دول وتتلاشى ملامح الدولة الوطنية وتحل محلها الميليشيات المسلحة من دون الدولة، تخفت خطوط الجغرافيا وتضيع منحنيات التاريخ، أسباب ومسببات متنوعة ومتباينة لكل حالة من الحالات لكن السبب الرئيسى هو المؤامرات الخارجية، فلم يذكر لنا التاريخ انهيارا حدث لدولة ما بسبب أمور وأزمات داخلية أو صراعات بينية طارئة، لكن التاريخ استفاض وأفاض فى تقديم نماذج عديدة لدول انهارت وتلاشت بسبب تدخلات خارجية لأوضاع داخلية، فكل الدول تمر بأزمات وتحديات وتحاول الأمم والشعوب العريقة التغلب على تلك المشكلات بالتعاون والصبر والوعي، لكن ومع أول تدخل خارجى تتجذر الأزمات وتنقسم المجتمعات وينتهى الأمر إلى حروب أهلية، وتمر أمام أعيننا العديد من القصص والحكايات فى العالمين الواقعى والافتراضي، وبقليل من التأمل نجد أن ما يجرى فى العالم الواقعى وأمام أعيننا يفوق الخيال ويتخطى حدود الرؤى الفنية بمراحل، كنا فيما مضى ننظر إلى السينما والمسرح والدراما على أنها عوالم خيالية، وكنا نردد عبارات «كلام أفلام» أو «كلام جرايد» حينما لا نشعر بواقعية ما نرى لو نقرأ، ومع فترات الصبا والشباب كنا نتابع أفلام الخيال العلمى ونضحك بسخرية على تفاهة القصص والأحداث التى فاقت قدراتنا العقلية فى أن نستوعبها، ومع مرور الزمن تحققت جميع النبوءات التى كانت أفلام الخيال العلمى تبشر بها، ورغم ذلك أرى بعض القصص التى ترشدنا بشكل غير مباشر إلى بيت الداء، خصوصا فى الأمور المرتبطة بالمؤامرات التى تحاك ضد أوطاننا خلال فترات طويلة من عمر الدولة المصرية، قرأت على «التايم لاين» فى تطبيق فيس بوك قصة بسيطة جدا جدا لكنها عميقة فى مغزاها ومدلولها، القصة تقول وأنقلها كما هى «إذا أخذت 100 نملة سوداء و100 نملة حمراء ووضعتها فى وعاء زجاجى فلن يحدث شيء على الإطلاق وسيعيشون معا ويتحركون دون صدام ودون ضجيج، لكن إذا أخذت الوعاء وهززته بعنف فسيبدأ النمل فى الصدام والعراك حتى يصل إلى قتل بعضه بعضا، حيث يعتقد النمل الأحمر أن الأسود هو العدو بينما يعتقد النمل الأسود أن الأحمر هو العدو بينما العدو الحقيقى هو الشخص الذى هز الوعاء»!!! انتهت القصة البسيطة التى نقرأ أمثالها يوميا عشرات المرات، لكننى وقفت أمام هذه القصة تحديدا ونظرت مليا إلى حالنا فى مصر منذ عقود طويلة، فوجدت أن كل مشاكلنا تأتينا من الخارج، فمنذ التدخل الاجنبى والاحتلال مرورا بالمؤامرات التى نعيش بين خطوطها وخيوطها المتداخلة ونحن نسأل أنفسنا «من الذى هز الوعاء».
من الذى يخطط ويتآمر ويعبث بمقدراتنا وبسلمنا المجتمعي؟ ربما كان واقع ما بعد 2011 أسهل كثيرا فى قراءة مفرداته المؤامراتية المفككة، حيث كنا نشاهد على الهواء مباشرة مسلسلات الخيانة والعمالة والارتزاق وكله وكما يقول المثل المصرى العامى الشهير «على عينك يا تاجر» وإلى اليوم نرى ونسمع ونشاهد فجاجة المؤامرات الرخيصة كما نعيش وسط عدد هائل من الأشخاص الرماديين المصابين بمتلازمة «الإمعات» لكن الأخطر منهم هم الذين يقتاتون من الابتزاز السياسى والاعلامي، الملفت أن التيار العام من الشعب المصرى بات واعيا بحجم المؤامرات التى تُحاك ضد الوطن، وبات أكثر وعيا بهذه الشخوص الرخيصة التى تمارس أسوأ أشكال الابتزاز، ومع كل ذلك فالدولة قادرة على مواجهة كل الصعاب وكل التحديات طالما بقيت الجبهة الداخلية متماسكة وعلى قلب رجل واحد، لكن علينا دوما أو نسأل أنفسنا هذا السؤال البسيط من الذى هز الوعاء؟؟