أيام سعيدة ملؤها الفرحة والأمل تعيشها الأسرة المصرية التى لديها ابن أو ابنة فى الثانوية العامة.. وكلل الله الجهود بالنجاح والتفوق استعداداً لبدء مرحلة جديدة وأساسية لهم ـ أقصد الأسرة ـ على طريق الحياة والمستقبل.
ولا ينقطع الأمل أبداً حتى للأسرة التى لم يوفق أبناؤها فى النجاح أو الحصول على مجموع درجات مناسب يؤهل للدخول إلى الكلية المبتغاة.. فالمهم أن يواصل الأبناء الجد والاجتهاد والبحث عن أسباب عدم النجاح، الفرص فى الحياة عموماً لا تنصب طالما تمسك الإنسان بالأمل وسعى واجتهد إيماناً المثل الشائع فى العالم كله «ساعد نفسك، حتى تساعدك السماء».
وإذا كانت الصحف ووسائل الإعلام اعتادت أن تكتب قصص نجاح وتفوق الأوائل وتستفيض فى عرض الأسباب التى أدت إلى هذا الأمر.. فإن هناك مسئولية أهم تقع على عاتق مراكز البحوث العلمية والتربوية فى البحث عن أسباب تخلف غير الناجين أو ذوى المجاميع الضعيفة التى لم تؤهل أصحابها للالتحاق حتى بالكليات المتوسطة بعيداً عن كليات القمة بغض النظر عن هذا التقييم غير الموضوعي.. لأن مسألة التفوق والإبداع لا علاقة لها بكلية معينة.. فقد يقود المجموع العالى طالباً ما للالتحاق بكلية الطب أو الهندسة ولكنه يفشل فى الحفاظ على هذا التفوق خلال سنوات الدراسة ومثلما يتندر العالم الدكتور حسام موافى فى هذا الأمر على متعالم فى مجال الطب بأنه «ساقط ثالثة»!
>>>
أتصور أن البحث على الشاطئ الآخر من الثانوية العامة يجب أن يلقى اهتماماً خاصاً من وزير التربية والتعليم الجديد.. ولعله قد لفت نظره أن العديد من أوائل الثانوية لم ينكروا رغم اجتهادهم الشخصى أنهم اعتمدوا على سناتر الدروس الخصوصية والمعلمين النجوم الذين يستطيعون الوصول بأى طالب مهما كان مستواه إلى تلك القمة المرغوبة.. فقد تكشف نتائج الأبحاث أن الأسر الفقيرة أو أولياء الأمور الذين لم ينالوا حظاً كافياً من التعليم لم يستطيعوا أن يساندوا أولادهم للوصول إلى هذه القمة.. وهذا يندرج أيضاً على التسرب من التعليم ومن أسبابه أنه عندما يعود الطفل أو التلميذ إلى البيت ويحتاج إلى معاونة فى الاستذكار أو عمل الواجبات المدرسية لا يتوفر له ذلك لأن الأم أو الأب غير متعلمين وقد يكون بمقدور الأسرة التعامل مع المدرس الخصوصى ولو بأقل الأجور.
ولا أدرى هل سيستسلم الوزير الجديد لمافيا الدروس الخصوصية التى افتعلت معارك سابقة مع وزراء أقوياء مثل الدكتور حسين كامل بهاء الدين من قبل عندما أراد أن يعيد للمدرسة دورها وهيبتها سواء فى التربية أو التعليم أم أنه يستطيع مجابهة هذا التعليم الموازى الذى يدر المليارات على هؤلاء الأباطرة الذين جعلوا من المدرسة ودورها ورسالتها «موضة قديمة» تشبه «طرابيش» الزمن الماضي!
بالتأكيد.. التعليم مثل كل شيء صار عملية مكلفة للغاية خاصة فيما يسمى بالمدارس الخاصة المتميزة والدولية التى تصل المصروفات السنوية فيها لمئات الآلاف.. ولكنها ـ حقيقة ـ تضمن تعليماً متميزاً يؤدى إلى التفوق والإبداع ليس فى كليات القمة فحسب بل فى الحياة عموماً.
وقد كان هذا التعليم متاحاً إلى حد كبير ولكن بمصروفات معقولة فى الماضى فى مدارس الراهبات وغيرها.. ولكن كان بجانبه أيضاً تعليم حكومى توفره الدولة فى ظل مدرسة منضبطة ومعلم يمتلك العلم والخبرة والأهم الضمير الذى كان يجعله يتعامل مع الطالب وكأنه ابن له حتى ولو قسا عليه.. ولكن هذا كان للمصلحة.. ولذا لم يكن غريباً أن تتخرج أجيال من الطلاب تقلدوا أرفع المناصب ليس فى مصر فحسب بل فى العالم كله.
>>>
ومن الأمانة أن نذكر أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنمو السكانى المتزايد كان سبباً رئيسياً فى تدهور التعليم وتسيد التعليم الموازي.. ولكن أتصور أن الدولة التى تستطيع أن تشرف وتنظم أكبر مسابقة سنوية للتعليم هى الثانوية العامة التى تضم ثلاثة أرباع المليون من الطلاب تجرى لهم تقييماً وفرزاً ـ حتى ولو كانت هناك مظاهر سلبية مثل الغش ـ هى بالتأكيد قادرة على أن تعيد الدور الغائب للمدرسة والمعلم وذلك بإرادة سياسية ورغبة إنسانية تتشارك فيها الحكومة مع الشعب باعتبار التعليم والمعرفة هما مفتاح تقدم الشعوب وازدهارها والتفوق على الساحة العالمية وليس الثانوية العامة فحسب.