الأمر لا يحتاج إلى علم ببواطن الأمور، ولا خبرة سياسية ولا عسكرية، للحكم على ماهية ما يجرى فى غزة، بعد أكثر من عشرة أشهر من الاجتياح الغاشم، الصورة واضحة دون التباس، والأهداف لا تحتاج إلى شرح، وأقول طبقا لما نرى وما يحدث وبكل حسم، إن إسرائيل تريد أن تغطى على «ضربة القفا» التى تلقتها فى السابع من أكتوبر، وكعادتها عندما تريد أن توجه الأنظار عن حدث كبير تقوم بفعلة أكبر فى اتجاه آخر.
ثانياً، أن الدولة العبرية وجدت فى هذا الحدث فرصة ليس فقط للتخلص من حماس ولا المقاومة الفلسطينية، إنما لإبادة شعب بأكمله، متوهمة أن هذا قد يحدث، كى تعيش فى أمان بعد أن اغتصبت الأرض بالدعم الغربى الكامل والمستمر عبر التاريخ ومنذ اختلاق الصراع الذى صنعوه بأيديهم كى يتخلصوا من اليهود الذين كانوا ينغصون على العالم كله حياته ويتعاملون بالربا، ويثيرون القلاقل ويتسببون فى إشعال الحروب فى كل مكان تطأوه أقدامهم.
ثالثاً، لم يعد لدى شك فى أن ما يحدث للفلسطينيين من عملية «محو» من على وجه الأرض والحياة، ما كان ليحدث بهذه البشاعة والوحشية، إلا بالدعم الأمريكى لإسرائيل من السلاح والعتاد والمعلومات الاستخباراتية والمشاركة بالمال والمقاتلين، بجانب الدعم السياسى العالمى وفى مجلس الأمن ومنع أى إدانة لأى جريمة ترتكبها عصابة جيش الاحتلال.
رابعاً، ما لاقاه نتنياهو فى الكونجرس من تصفيق واستقباله استقبال الأبطال الفاتحين، وتأكيد الدعم الأميركى الكامل لاستمرار المذابح والمجازر وإحراق الأخضر واليابس فى قطاع غزة، لم يكن إلا مباركة لاستمرار طغيانه ورضا عن أفعاله، ويؤكد ذلك الموافقة على تقديم 3.5 مليار دولار دعما إضافيا جديدا إسرائيل.
خامساً، لو لوحت أمريكا بمجرد التخلى عن الانحياز للدولة العبرية اللقيطة المصنوعة عنوة المزروعة كخنجر فى ظهر العرب، وأعلنت «الحياد» الإيجابى النزيه الذى لا تعرفه طوال تاريخها، لتغير وجه المنطقة تماما ولعم السلام، لكنها وبكل تأكيد لا تريد ذلك لأنها مستفيدة منه، من خلال بيع الأسلحة، وذريعة التواجد فى منطقتنا واتخاذها مسرحا لمواجهة «أعدائها» بعيدا عن أراضيها، وزرع قواعدها العسكرية بحجة المساعدة والدفاع المشترك، وبزعم التصدى لـ «الأعداء» الذين لهم مطامع.
سادساً، فى جميع المفاوضات، نجد الأمريكان متناقضين، يدلون بتصريحات للاستهلاك الإعلامى ومحاولة تجميل الوجه القبيح بإظهار دعمهم للسلام والتفاوض، لكنهم من جانب آخر يتصرفون عكس ذلك ويدعمون الحرب، ويرددون عبارت «محفوظة ومعلبة» بحجة ضمان أمن إسرائيل وعدم التخلى عنها.
سابعاً، لأن نتنياهو على يقين من أن حماس لن تقدم على قتل الرهائن، لأنها ورقة التفاوض القوية لديها، يبالغ فى الإفساد وارتكاب المزيد من جرائم الإبادة، ولا يجد مما يسمى المجتمع الدولى إلا الرفض الكلامي، ويضرب عرض الحائط بالقوانين الإنسانية والدولية، ويسخر منها ويتحداها، مستعينا بالغطاء الأمريكى المتغطرس.
وهنا لا نقول كلاما مرسلا، فقد رأينا الموقف الأمريكى من حادث اغتيال اسماعيل هنية، وما أن صرحت إيران –من باب حفظ ماء الوجه– بأنها سترد على الأنتهاك الإسرائيلى لأراضيها، انبرت واشنطن وحذرت إيران من أن حكومتها الجديدة واقتصادها قد يتعرضان لضربة مدمرة إذا شنت هجوماً كبيراً على إسرائيل، وأنها مستعدة لاستخدام القوة للدفاع عن حليفتها كما فعلت فى أبريل الماضي، وعلى المستوى الرسمى أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، أن واشنطن «ستدافع عن إسرائيل بالشكل المناسب».
لكن يبدو أن هناك ما لم يتم الإفصاح عنه، وقد تكون واشنطن هددت بضرب المشروع النووى الإيراني، وهو ما يبرر إرسالها هذا الحجم من السلاح وحاملات الطائرات والمقاتلات التى لا تهدف فقط إلى الدفاع عن إسرائيل، بجانب قواتها بقواعد متعددة فى المنطقة.
العبث الأمريكى الخطر فى المنطقة.. واضح ومكشوف.