فى عصر النقاء والحب الرومانسى والخجل والمسافات الطويلة بين المحافظات والضواحى وبساطة وسائل المواصلات بل وفى العصور التى سبقت كل ذلك كان البريد هو وسيلة الاتصال الأولى بين العائلات والأصدقاء والاحبة بل والزعماء وكبار المسئولين ، بمعنى ادق بين جميع البشر فى مصرنا المحروسة وقد ظهرت فى أواسط أربعينات القرن الماضى أغنية بصوت المطربة رجاء عبده من كلمات أبوالسعود الابيارى «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي» والتى كانت تحكى عن تعب اصحاب هذه المهنة من كثرة عدد الرسائل، حيث كان ساعى البريد فى تلك الحقبة يرتدى زياً محدداً اللون صدر به منشور رسمى وكان يتم تعديله من حيث النوع والطراز إلا ان هناك تاريخاً وقصصاً وقرارات واسماء شهيرة لمعت فى مصر فى هذا المجال مما دفع احد الباحثين «عبدالوهاب شاكر» ان يصدر كتاب «تاريخ البريد فى بر مصر»، الهيئة القومية للبريد أو البريد المصرى هى هيئة حكومية مصرية أنشأت عام 1865 وهى واحدة من أقدم مؤسسات مصر، وتمتلكها وزارة الاتصالات وتكنولوچيا المعلومات ويبلغ عدد العملاء حوالى 20 مليون عميل وعدد مكاتب البريد المصرى فى إحصاء 2022 حوالى 4147 مكتباً اما مقرها الرئيسى فهو فى القرية الذكية بمحافظة الجيزة ويرجع تاريخ أول وثيقة جاء ذكر البريد فيها إلى عهد الاسرة الثانية عشرة حوالى 2000ق م وهى عبارة عن وصية من أب لولده تكشف أهمية صناعة الكتابة والمستقبل المجيد الذى ينتظر الكاتب فى وظائف رسمية وقد عرف عن الفراعنة انهم قاموا بتنظيم نقل البريد خارجياً وداخلياً وكانوا يستخدمون سعاة يسيرون على الأقدام يتبعون شفتى النيل فى رواحهم وغدوهم فى داخل البلاد ويسلكون إلى الخارج عبر الطرق التى تسلكها القوافل والجيوش اما فى عهد البلاطة فكان البريد ينقسم إلى البريد السريع لنقل بريد الملك ووزيره وموظفى الدولة وكان يستخدم فى نقله الجياد السريعة، والبريد البطئ لنقل البريد بين الموظفين فى داخل البلاد وبعد الفتح الرومانى استمر هذا النظام فى مصر حتى فتح العرب مصر، اما فى العصر الإسلامى فقد استخدم البريد لنقل أخبار الدولة والتجسس على الولاة ونقل الاخبار للخليفة وساروا على نفس نظام البطالمة والفرس ويقال ان معاوية بن ابى سفيان هو أول من نظم البريد فى الإسلام وكان يستخدم فى نقل البريد السريع طرقاً معينة مقسم إلى محطات متساوية لتغيير الخيول والتزود بالمؤن وعلى المستوى العربى والأفريقى تعتبر مصر ضمن الدارات السباقة فى الانخراط فى الحركة البريدية العالمية التى بدأت فى أوروبا منذ اواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن الماضى وقد ظهرت مؤسسة البريد المصرية الحديثة عندما قام إيطالى يدعى «كارلو ميراتي» بإنشاء ادارة بريدية على ذمته لتصدير واستلام الخطابات مع البلدان الأجنبية، وكان يتولى تصدير وتوزيع الرسائل نظير اجر معتدل كما قام بنقل الرسائل بين القاهرة والإسكندرية، وبعد وفاته خلفه ابن شقيقته الذى شعر بأهمية المشروع ونهض به حتى وضع له أقوى الأسس وأطلق عليه اسم البوسطة الاوروبية، ولما افتتح أول خط حديدى بين الإسكندرية وكفر العيس أنشأت الشركة لها مكاتب بريد فى القاهرة ثم رشيد، وبعد ان امتد الخط الحديدى إلى كفر الزيات فالقاهرة عن طريق طنطا وبنها وبركة السبع انتهزت البوسطة الأوروبية هذه الفرصة واستخدمت خطوط السكة الحديد فى نقل إرساليات البريد بين القاهرة والإسكندرية وعندما شعر الخديو إسماعيل بأهمية البوسطة الاوروبية قام بشرائها وفى يوم ٢ يناير عام 1852 نقلت ملكيتها إلى الحكومة المصرية ويعتبر هذا اليوم يوماً تاريخياً للبريد المصرى وعيداً للبريد كل عام ومن الطريف انه قبل تنظيم عمل البوسطة او مصلحة البريد فى مصر كان بعض الهجانين واصحاب القوارب والسعاة يدخلون مع الاهالى فى اتفاقيات خاصة لنقل ودائعهم ورسائلهم من بلد لآخر واشتهر من بينهم عمر حمد وحسن البديلى الذى كان له إبل خاصة لنقل البريد تسير فى شرق البلاد وغربها وكان يحدد رسوم نقل الرسائل والودائع طبقاً لما يتوسمه فى اصحابها من الجاه والثروة، ولم يكتف بذلك بل انه كان يرسل هجاناً خاصاً للرسائل التى يطلب اصحابها خدمة سريعة وقيل عنه ايضاً انه نظم خطوطاً للبريد فى انحاء البلاد ووصل بإبله إلى السودان وهى براعة يدونها التاريخ المصرى فى تسجيله لحكايات الرسائل والبوسطجية.