مع كل الخسائر فى الأرواح والدمار الشامل فى غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، أعتقد أن إسرائيل هى الخاسر الأكبر.. كيف؟
الإجابة تكمن أن قيام الكيان الصهيونى واستمراره يعتمد بشكل رئيسى على إشاعة الهيبة المغلفة بالأساطير والقنبلة النووية وترسانات الاسلحة التى لا تملكها فحسب ولكن الموضوعة تحت أمرتها فى لمح البصر من الدول الغربية وفى مقدمتها أمريكا.
وسر الهزيمة الكبرى أنها ولأول مرة تشعر أن كيانها مهدد بالزوال بعد كسر هيبتها فى 7 أكتوبر الماضى بفقد أكثر من 1200 إسرائيلى فى عملية خاطفة وداخل عقر كيانها المغتصب واختطاف نحو 200 من الرهائن.. لذلك تريد بكل هذا العنف إعادة صناعة هيبة جديدة.
والأمر الثانى الذى عمق كسر الهيبة أنها لم تدرك أن دخولها غزة هذه المرة يختلف عن المرات السابقة، كانت تظن أنها نزهة قد تستغرق عدة أسابيع ولم يدر بذهنها أنها ستستمر إلى أكثر من 10 شهور فى حرب مدن الخاسر فيها القوات النظامية مهما كانت قوتها، وهذا ما نجحت فيه حماس بجرها إليها.
نعم خسائرنا فى غزة من الأرواح لا تقدر، لكن أعتقد أن خسائرهم أشد لأنها تتعلق بالوجود، وهذا يفسر جنونهم الذى يصل بنتنياهو وقادتهم بالتضحية بأرواح الرهائن باستمرار الحرب ورفض أى محاولات لوقفها لأنها باختصار حرب بقاء ووجود مهدد بالفناء بعد كسر هيبتهم المعتمدة على تصدير الفزع لدينا من السلاح النووى تارة، ومن ترسانات الأسلحة الضخمة عندهم أو التى تصل إليهم فى لمح البصر من الغرب الذى يعتبر هذا الكيان هو مخلبه فى قلب الشرق الوسط!!
لذلك لا أعتقد انهم ينتوون إيقاف الحرب حتى يصدروا لنا من جديد نسخة أخرى من أوهام القوة التى لا تقهر بعد أن تساقط ورق التوت، ولنترك التصريحات الأمريكية والغربية الوهمية التى تحاول دغدغة المشاعر سواء للعرب أو حتى لدى أهالى الرهائن الإسرائيليين أنفسهم أصحاب الجنسية المزدوجة!
لذلك لن يتورع نتنياهو فى التضحية بالرهائن من أجل إعادة الهيبة الجريحة أو تصدير غيرها لنا.. وفى سبيل ذلك يحاول جرجرة المنطقة كلها لحرب إقليمية حتى يأتى الغرب بكامله لانقاذ هيبة إسرائيل فى المقام الأول بمشاهد استعراض للقوة حتى ولو من خلال السينما الهوليوودية.. والسؤال هل سيفعلون أكثر مما فعلوه وهل ستعيد الطمأنينة للإسرائيليين الذين يشعرون أنهم مستهدفون فى الشمال من حزب الله والجنوب من غزة والسكاكين والدهس فى الضفة الغربية؟!
هل ستضرب الاساطيل الأمريكية والبريطانية غزة وستدكها أكثر مما يحدث الآن؟.. وهل ستضرب الأساطيل الغربية لبنان وسوريا وهل سيحدثون فيهما أكثر مما يحدث منذ سنوات؟!
هل ستضرب الأساطيل إيران كما تسعى إسرائيل لتكسيح إيران ودفن قوتها النوووية فى المهد كما فعلوا فى العراق وسوريا؟
والسؤال المهم بعد كل هذه السيناريوهات هل ستعود الهيبة للكيان الصهيوني؟!
نعم قد يشفى هذا الدمار قلب نتنياهو وقادة الدم والخراب لكنه لن يصنع لهم استقراراً واستمراراً.. لماذا؟ لأن المساحة التى احتلتها إسرائيل من فلسطين والجولان عمقها صغير يمكن تدميره بسهولة إذا ما قورن بإيران وغيرها.
وأعتقد ان اختيار حركة حماس ليحيى السنوار رئيساً لها هو رد مقصود على العنف والتشدد الصهيوني، فإذا لم يعجبهم إسماعيل هنية الذى كانت لديه بعض المرونة ولو ظاهرياً فى تقبل التفاوض، فإن الأمر مختلف عند السنوار الواقف على خط النار وأكثر من 10 شهور فى الانفاق ويعيش كل لحظة خطر الموت ويراه فى الأهل عن قرب.
والسؤال الذى يتغابى عن إجابته قادة الكيان وحتى بعيداً عن السنوار الذين يرونه أكثر تشدداً وراديكالية، فهل يتصور هؤلاء أن الأطفال أو الشباب الذين عاشوا هذا الدمار والهمجية التى قتلت الأهل ودمرت وحرقت الأخضر واليابس.. هل سيكونون فى المستقبل مسالمون وخانعون وخاضعون؟!
أعتقد من لم يرض بهنية ويرفض السنوار سيأتى لهم الأكثر تشدداً وعنفاً لأن العنف لا يولد إلا عنفاً، والتشدد لن يخلف سوى التطرف.. الأسوأ قادم، لأن الشعوب لا تموت وقضايا الأوطان لا تموت بالتقادم.