«من أم الدنيا.. إلى كل الدنيا» هذا الشعار الرائع للنسخة الخامسة من مؤتمر المصريين بالخارج الذى عقد الأسبوع الجاري، تم اختياره ببراعة فائقة، ليس فقط لما يحمله من معانٍ عاطفية وإنسانية نبيلة تستحوذ على اهتمام المصريين بالداخل والخارج، ولكن لأن «الشعار» يحمل العديد من الرسائل السياسية المهمة، رغم أن المؤتمر عقد فى الأساس لتحقيق أهداف اقتصادية، وللارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمصريين بالخارج بسرعة وكفاءة، والاستفادة القصوى من دور بعثات مصر الدبلوماسية والقنصلية فى تنفيذ سياسة الدولة فى التفاعل مع الجاليات ورعاية مصالحها وربطها بالوطن الأم.
ليست مبالغة فى أن فكرة رعاية مصالح المصريين بالخارج وربطهم بـ» الوطن الأم» تشكل مسألة فى غاية الأهمية لا يدركها إلا من هاجروا وعاشوا سنوات طويلة فى دول عربية وأجنبية، وبات لديهم من الأبناء والبنات ممن كبروا وتعلموا هناك فى بلاد «الغربة» إلا أن الأمل مازال يراودهم فى العودة والاستقرار نهائيًا بمصر، أو أن تظل الروابط قائمة بين الأبناء وعائلاتهم فى مصر وأن يظلوا متمسكين بعاداتنا المصرية الأصيلة، وأذكر هنا تجربة صحفية خضتها مع عدد من أبناء وأحفاد المصريين المقيمين فى الولايات المتحدة الأمريكية والذين جاءوا إلى مصر فى منتصف تسعينيات القرن الماضى برغبة من أمهاتهم وآبائهم ليمضوا أوقاتًا سعيدة مع أجدادهم وجداتهم وليتواصلوا مع أقاربهم من أبناء عمومتهم وأخوالهم، وقد كانت نتيجة الزيارة التى نشرتها «الجمهورية» فى حينها مبهرة، نظرًا لكم المشاعر الإنسانية التى جاءت على ألسنة أولئك الأبناء ممن فرضت عليهم الظروف العيش والإقامة فى أمريكا.
نعم فقد غطت مشاعرهم الإنسانية وعشقهم على أى مقارنة بين بلد يعيشون فيه «أمريكا» وبلد ينتمون إليه، وقال أبناء المصريين المقيمين فى الولايات المتحدة «آنذاك»: انهم يتمنون أن يروا مصر أفضل من أمريكا، وإنه حان الوقت للتخلص من العشوائيات والمناطق غير الآمنة ليعيش المصريون فى مساكن تليق بهم، وأن تساعد الحكومة الناس فى التخلص من الزحام والضوضاء والتى تهدر الوقت والطاقات، وهنا نتوقف لحظة عند هذه الأمنيات التى تحولت فى وقتنا الحالى «أى بعد أكثر من ثلاثة عقود» إلى واقع فى معظم المحافظات المصرية، فقد تم التخلص من العشوائيات وبناء قرى حياة كريمة كذلك فقد تم إنشاء أكبر شبكة طرق ومواصلات فى كل أنحاء البلاد ليتحول السير فى الشوارع المصرية إلى شكل من أشكال المتعة والترفيه الذى ظل المواطنون محرومين منه على مدى عقود.
نعود الى مؤتمر المصريين بالخارج والذى لا تقتصر أهدافه على ضرورة مشاركة أبنائنا من المقيمين فى الخارج فى أهم ملفات برنامج الحكومة الجديدة وهو ملف التنمية المستدامة والشاملة باعتبارهم شركاء بعلمهم وخبراتهم وتميزهم فى العديد من المجالات، ولكن من ضمن أهداف المؤتمر التأكيد أن أبناء المصريين بالخارج جزء عزيز من الشعب المصرى لهم كل الحقوق وعليهم جميع الواجبات فهم جزء من قوة مصر الشامخة، أيضًا التأكيد على الدور المهم للمصريين بالخارج فى التأثير على الرأى العام العالمى ونقل الصورة الحضارية لمصر، بما تحمله هذه العبارة من رسائل تشير إلى أن مصر التى تقبع فى قلب منطقة «ملتهبة» وتحيطها الحروب والأزمات من جميع الاتجاهات، وتعانى من الأزمة الاقتصادية التى خلفتها الأوضاع العالمية، ورغم كل ذلك نجحت مصر فى مواصلة الإنجازات وحفظ الأمن والاستقرار، وفى ردع كل من تسول له نفسه الاضرار بأرض هذا الوطن ومقدساته، ومن ثم فهى أجدر الدول بالاستثمار فى مشروعاتها التنموية العملاقة.
أيضاً فإن أهم الرسائل التى حملها مؤتمر المصريين بالخارج، وشعاره»من أم الدنيا.. إلى كل الدنيا»، والذى جاء وسط تصعيد إسرائيلى خطير قد يجر الإقليم لحرب شاملة، هى دعوة دول العالم إلى دعم التنمية وإنقاذ المنطقة من الحرب والدمار، والتمسك بالسلام.