ليس مهماً أن تتولى المنصب ولكن المهم أن تترك أثراً وبصمة وتكون حالة خاصة للنجاح.. وتترك تجربة شديدة الخصوصية.. حتى لو اختلف أو اتفق عليها الناس.. لكنها باتت حالة حتى لو انقسموا عليك.. أو حاولوا النيل منك.. تبقى الحالة والنجاح والاستثنائية.. هكذا سطَّر العظماء فى التاريخ أمجادهم مازلنا نتذكرهم.. نتفق أو نختلف عليهم لكنهم باقون بأثرهم وتجربتهم.
ونحن فى حصاد الثانوية العامة وهناك من تضمنت اسمه قائمة الأوائل وهناك من نجحوا بمجاميع مرتفعة تؤهلهم لما يطلقون عليه كليات القمة.. وهناك مجاميع متوسطة التفوق مهم.. لكن الأهم ان يستمر.. المهم ان نلتحق بالكلية التى يستمر فيها نبوغك وتفوقك وتأثيرك واضافتك وهذا أفضل من أن تلتحق بكلية يراها البعض فى القمة.. تكون فيها مجرد زائر أو ضيف بلا تأثير مهنى عقب التخرج.. لذلك على كل من حصل على الثانوية العامة أن يتريث ويتأنى فى الاختيار.. ويكون شديد الواقعية والمصارحة مع النفس.. يعرف جيداً قدراته وما حباه المولي– عز وجل– من مواهب وميول وفى حالات كثيرة لا تعبر مجاميع الثانوية العامة عن الواقع.. فهناك من التحقوا بكلية الطب مثلاً من «الأوائل» ورسبوا فى العام الأول.. وهناك منهم من تخرج ولم يضف جديدا فى هذا المجال.. وبات حبيساً فى خانة (العادي) وهناك أيضاً أطباء مرموقون بارزون مهرة.. وربما من بات فى خانة (العادي) لو التحق بكلية أو تخصص يحبونه ويناسب قدراتهم وميولهم.. ولم يخضعوا لتابوهات المجتمع.. أو رغبات الآباء والأمهات ربما كانوا أكثر تفوقاً وتأثيراً.. والغريب ان من لم يحالفهم الحظ فى اجتياز الثانوية العامة أو حصد المجاميع المرتفعة ان اخطأوا فى اختيار التخصص (علمي) أم (أدبي) (علوم) أم (رياضة) وانساقوا وراء تمنيات الآباء والأمهات ولم يدركوا بشكل جيد وموضوعى وواقعى قدراتهم.. ولى تجربة فى هذا الأمر حيث كان اختيار الشعبة فى بداية الصف الثانوى الثانوى وللأسف خضعت لرغبة أبي– رحمة الله عليه– والتحقت بشعبة العلمى علوم.. ومن حسن الحظ كانت الحصة الأولى فى العام الدراسى «الفيزياء» خرجت منها محبطاً بائساً لتغيير مسارى تماما.. وتوجهت إلى شئون الطلبة لأقوم بالتحويل إلى شعبة الأدبى وبالفعل فى الثانوية العامة حصلت على المجموع الذى يؤهلنى للالتحاق بكلية الإعلام جامعة القاهرة.. لذلك دائماً لا أفرض على أبنائى دراسة أى مجال أو تخصص وأترك لهم الحرية تماماً.. ولكن أقول لهم المهم ان تتفوق فيه طالما أنه اختيارك.. وتراه مناسبا لميولك.
التفوق أمر عظيم.. لكن المهم ان يستمر الاختيار الدقيق والموضوعى للكلية والتخصص.. فربما لا تنجح أو تتفوق فى الطب مثلا بقدر ما تتفوق فى مجال العلوم أو الصيدلة.
عملية القرار والاختيار من أهم عناصر بناء الشخصية.. لذلك فإن طريقة تربية الأبناء منذ الصغر تشكل أمراً محورياً دائماً.. لا يجب ان تفرض عليهم ما تريده إذا لم يكن ما يطلبونه غير مناف لقواعد الاحترام والصواب وعلى الأسرة أن تنمى فيهم فضيلة الاختيار والرأى والقرار والشخصية.
التعليم هو قاطرة التقدم ومن يصنع الفارق فى مسيرة الأمم ويدفعها إلى التقدم هو الطاقة الفياضة بالأفكار والحلول.. لذلك لا يمكن قبول المشاهد القديمة حول لجان الامتحان لأولياء الأمور يحاولون مساعدة أبنائهم بالغش.. عبر مكبرات الصوت أو بأساليب أخرى ولا يجب أن يسعدوا بذلك.. بل تربيتهم على رفض الغش وعدم قبوله حتى لو كان متاحا أمامهم.. وهذا الرفض جزء من قوة الشخصية والثقة فى النفس وبناء الضمير اليقظ.
هناك أيضا قضية مهمة وضعت الدولة يدها عليها.. هو دعم وتشجيع التعليم الفني.. ولكن أعنى فتح الأمل ومنح الفرصة للحاصلين على الدبلومات الفنية للالتحاق بالجامعات.. وبالتالى القضاء على نظرة اجتماعية لم تكن صحيحة للتعليم الفنى ومن يعملون بأيديهم والدولة تتحدث عن 17 جامعة تكنولوجية متطورة تواكب العصر تفتح أبوابها أمام الحاصلين على الثانوية العامة والدبلومات الفنية.. مؤهلون بشكل جيد للالتحاق بسوق العمل المحلى والإقليمى والدولي.. والعجيب ان هناك اقبالاً كبيرا على الالتحاق بهذه الجامعات.. لأنها تتيح فرص عمل مضمونة حتى بلغ حجم التشغيل حسب جريدة الوطن 80 ٪ من خريجيها وهو ما يؤكد اختلافاً جوهرياً فى النظرة إلى التعليم الفنى والتكنولوجى وباتت هى الأكثر اقبالاً.. ومن الأمر الذى يعبر عن وجود رؤية صحيحة هو انتشار الجامعات التكنولوجية فى كافة ربوع البلاد وفى مختلف المحافظات وخلال السنوات القادمة سوف تجنى مصر ثمار هذا التوجه وستعود قوة مصر فى امتلاك أمهر العمالة من مختلف التخصصات والتى تواكب العصر بل وتحقق تأثيرات اقتصادية من خلال الحصول على فرص عمل من كبريات الشركات الدولية والمحلية.
لذلك أقول الاختيار الصحيح يلعب دوراً كبيراً فى النجاح والتفوق منذ البداية.. ولا يجب ان تختار بالعواطف والتمنيات ووجهات نظر الآخرين.. بل تعرف على قدراتك وميولك لتحصد المزيد من التفوق والابداع فى مجالك.. لذلك فإنه من الجيد ان تتولى منصب ولكن الأهم ان تترك الأثر الكبير.. ومن المهم ان تحصل على مجموع كبير فى الثانوية العامة أو الدبلومات الفنية ولكن الأهم ان تختار بعناية ودقة وموضوعية الكلية أو التخصص أو المجال الذى تحبه وترى فيك نفسك ولا تفكر بطريقة نظرة المجتمع أو أمنيات الأسرة.. فيمكن ان تسعدهم أكثر عندما تتفوق فى مجال أو تخصص أنت اخترته بموضوعية ورؤية لتحقق المزيد من التفوق.. وهناك العديد من المشاهير خضعوا لرغبات الأسرة ولكهم تفوقوا فى المجال الذى اختاروه عقب التخرج.. فهناك إعلامى شهير ونجم سينمائى وتليفزيونى أو فنان تشكيلى هو فى الأصل طبيب أو مهندس أو غيره.. لكنه خضع فى النهاية للموهبة فكانت سبباً فى نجوميته وتألقه.. لذلك اتركوا الأبناء يختارون طبقاً لميولهم وقدراتهم ورغباتهم حتى نضمن استمرار التفوق.