انتهينا إلى أن ألقى عامر ما اقتنصه من فرائس وهرع إلى أعلى شجرة هربًا من زمرة أسود يقودهما غضنفر مسلوخ الوجه عاد لينتقم من الصياد الذى أصابه.
لم يستمر الجمع المفترس الا دقائق شعرت فيها اللبؤات بالملل واثرن الرحيل بعدما تشاركا الوليمة الملقاة على الأرض بينما اختار ذكرهم انتظار هدفه الأثير الكامن على الشجرة.. تذكر عامر بعضا مما قرأ عن تجارب الارتباط الشرطى التى استنتجها الروسى بافلوف العالم فى سلوك الحيوان.. قطع من الشجرة اطول غصن طالته يداه واخذ يحركه كما كان يحرك الحربة مناوشا الاسد ومطلقا ذات الصفافير.. ثم تعمد اخفاء نفسه لحظات بعيدا عن عيون الاسد وعاد فجأة للظهور يهز الاغصان بقوة صارخا «كبى يا هانم» وهنا تنبه الأسد وتذكر الألم الذى اعقب الصفافير والنداء المشئوم وأطلق قدميه للريح مذعورا.
حكاية من آلاف الحكايات الواردة بكتب عديدة أشهرها «كليلة ودمنة» و«ألف ليلة وليلة» وغيرها من موارد التراث فى جميع انحاء العالم.. ويأتى القاسم المشترك فيها تطبيقات تعلمها الإنسان من سلوك الحيوانات والطيور والحشرات أيضا.. وذلك قبل أن تتطور التجارب العلمية خلال العقود الماضية وتهدى الانسانية قفزات أسطورية لتنفذ بها إلى آفاق رحبة فى عوالم المدنية والتحضر.. وساهم فى ذلك التقنيات الحديثة لمراقبة المخلوقات ورصد الملاحظات بدقة وحصرالاحتمالات واخضاعها بسهولة للتحقيق وصولا لنتائج يقينية اكتشف بها الانسان العديد من اسرار ذاته والحياة والبيئة ليمكنه التحكم فيها لعلاج مشكلة تواجهه اوانتاج مشكلة لعدوه.
>>>
فى مصر لدينا المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بمنطقة الكيت كات وهو قلعة علمية رفيعة المكانة على مستوى العالم بما يضمه من عباقرة علم النفس والاجتماع فضلا عما تعج به الاقسام المتخصصة فى الجامعات المنتشرة فى ربوع الدولة وماتخرجه من كوادر بعشرات الألوف سنويا.. أى أننا نملك بالفعل ادوات قادرة على صنع التغيير الاجتماعى بالتعاون مع المؤسسة التشريعية والتنفيذية.. ولكن ان كان ذلك كذلك فما هو تفسير حدوث عطب اجتماعى تجسد فى المعاملات بين الناس وتغيرات طرأت على الذوق العام.. سؤال يبحث عن اجابة اكاديمية تشخص الداء وتحدد الدواء ووضع خطة قومية تعتمدها الدولة للعلاج.. لأن الحفاظ على كفاءة الانسجام الاجتماعى بين المواطنين باستقرار المعاملات فى اطار منظومة قيم راسخة هى قضية امن قومى يتحتم التعامل معها بالعلم ووفق التجارب التى ثبت نجاحها فى علوم ادارة المجتمعات المنظمة والمستوحاة من ملاحظات علوم النفس والاجتماع والثوابت العقائدية فى الديانات السماوية الثلاث بلا استثناء.
إن قاعدة الارتباط الشرطى فى حكاية عامر وهانم ليست الا واحدة من آلاف القواعد التى تنطبق على كل الكائنات الحية التى تشترك فى خصائص عديدة من ناحية السلوك الفطرى او الغريزى وتعاملها مع بنى جنسها والاجناس الاخرى أصدقاء كانوا أو أعداء وكذلك كيفية استثمارالبيئة المحيطة على النحو الاعظم.. فضلا عن علم الانسان وهو علم قائم بذاته ويتداخل مع كل العلوم الاخرى قاطبة.. يجدر بنا الاهتمام بتطبيقاتها وان نولى اهتماما اكبر بعلمائها ومنحهم نصيباً اوفر فى توجيه دفة التغيير فى سلوكنا الفردى والجماعى للنجاة والارتقاء.. ولاشك ان ذلك ضمن فلسفة بناء جمهورية جديدة نثق ونعتز وندعم رموزها ونقاسمهم طموحها.