فى رحلة الحياة يختلف الأشخاص والمواقف وتتوالى الأحداث لتحتفظ الذاكرة ببعضها ويتلاشى البعض الآخر بفعل الزمن لكن تبقى دائماً المواقف التى شكلت نظرتنا للآخرين عالقة فى الأذهان مهما مر الزمن سواء كانت تلك النظرة إيجابية أو سلبية.
كنت فى السنة الثالثة بكلية الإعلام جامعة القاهرة داخل إحدى القاعات الخاصة بقسم الصحافة عندما دخل أستاذنا الجليل الدكتور فاروق أبوزيد عميد كلية الإعلام الأسبق عليه رحمة الله وارتسمت على وجهه علامات الغضب بسبب رفضنا القيام بمهمة توزيع جريدة صوت الجامعة الصادرة عن الكلية ويحررها طلابها.
أزعم أن هذه هى المرة الأولى والأخيرة التى شاهدت فيها الدكتور فاروق على هذه الحالة فرغم أنه كان قادراً على رسم حالة مختلفة فى محاضراته بسبب جديته حتى إنه لم يكن يسمح لنا بحضور محاضرته قبل شراء جريدة واحدة على الأقل وقراءتها إلا أنه لم يكن يوماً قاسياً ولم يهدف من ذلك إلا تخريج جيل مختلف من الصحفيين لديه القدرة على الفهم والاستيعاب لما يدور حوله من أحداث.
لا أتذكر السبب الذى جعلنا وقتها نعزف عن توزيع الجريدة لكن ما أتذكره أنه عندما طالبنا بالامتثال لأوامره رفضنا حتى كان قراره الغاضب بتخصيص نصف درجات أعمال السنة فى مادته لتوزيع الجريدة وهو ما يعادل 25٪ من درجات المادة لنرضخ جميعاً خوفاً من ضياع الدرجات ونعدل عن موقفنا إلا طالباً واحداً أصر على موقفه وتمسك به حتى النهاية.
رغم أن القاعة كانت مليئة بعشرات الزملاء إلا أننى لا أستطيع تذكر حتى من كان يجلس بجوارى وقتها فقط أتذكر هذا الزميل الذى تمسك بموقفه غير عابئ بضياع الدرجات فى سبيل البقاء على القرار الذى اتخذه مقتنعاً بموقفه وهو الصديق أسامة السعيد الذى صار الآن رئيساً لتحرير الشقيقة الأخبار وهو المنصب الذى يستحقه عن جدارة فلم يكن يوماً إلا مجتهداً.
تذكرت هذا الموقف وأنا أشاهد رؤية البعض للمسئولين قبل وبعد تولى المناصب فقبل المنصب تستمع منهم لتحليلات بعين الخبراء عن فشلهم وعدم صلاحياتهم وما إن يتولوا منصباً تنقلب الصورة وتستمع لعبارات المدح الممتزج بالإطراء المبالغ فيه بل إن بعضهم قد يذم مسئولاً وما إن يشاهده تخرج عبارات المدح مثل الطلقات التى عصفت بقيم هؤلاء ومبادئهم فى الحياة لا لشئ إلا إرضاء المسئول علهم يحصلون على بعض المزايا والمناصب يوماً ما أو الحفاظ على ما يتحصلون عليه من مكاسب حتى إن كان ذلك سيعود عليهم بالسلب فيما بعد وضياع حقوقهم بسبب تفريطهم فى حقوق غيرهم.
مثل هؤلاء ستسقطهم الذاكرة بلا رجعة ولن يبقى لهم أثر باستثناء ما تسببوا فيه من ضياع الحقوق وعدم وصولها لأصحابها وستظل اللعنات تلاحقهم مهما مر الزمن لذا احرص دوماً أن تكون صاحب مبدأ لا يتغير حتى تظل فى ذاكرة الآخرين.