فى حياتنا جميعا مدرسون تركوا بصماتهم فى مسيرتنا.. ومازلنا نذكرهم لانفسنا.. ولابنائنا.. ومازال هؤلاء يمثلون قدوة نعتز ونفخر بها.. وكان أستاذى ومعلمى الأستاذ محمد عباس سالم واحدا من هؤلاء المدرسين العظام.. ومنذ أيام رحل عنا هذا الأستاذ العظيم.. والذى عرفته عام 1982 عندما التحقت بالمرحلة الثانوية.. كنت قد سمعت عنه كثيراً.. من دفعات سابقة.. لأنه كان يحتوى الجميع بصداقته للطلاب ومعاملته لهم كأنهم أبناؤه.. ومرت الأيام وتبين صدق الروايات التى سمعتها عنه قبل ان نلتقيه.. فكان نعم الأب والمعلم.. صديقا للجميع.. مكتبه وهو وكيل المدرسة مفتوح للجميع.. للطلاب وأولياء أمورهم.. تليفون منزله مع الجميع.. الكل يلجأ اليه.. ويثق فى رأيه.. لا يمكن ان تلجأ اليه فى مشكلة إلا وتجد بابه مفتوحاً.. ومرت الأيام وحصلت على الثانوية العامة.. والتحقت بالجامعة.
ولم تنقطع صلتنا أنا وزملائى بالاستاذ عباس كما كنا نطلق عليه.. وكذلك لم تنقطع علاقتنا بالمدرسة والعديد من مدرسينا.. الذين كانوا حريصين على الاطمئنان علينا.. والتواصل معنا.. وكان ذلك قبل ظهور التليفون المحمول.. ووسائل التواصل الاجتماعى التى ساهمت فى سهولة الوصول لمن تبحث عنهم إلى حد كبير..
وقد كان من حسن حظنا ان هناك من فكر فى تجميع خريجى المدرسة من مختلف الدفعات والمدرسين أيضا.. فى لقاء سنوي.. وكان صاحب الفكرة هو المهندس أحمد صبور وهو من خريجى مدرستنا ولكن يسبقنى بعامين.. وعرفت بموعد اللقاء عن طريق مصطفى نظمى زميل الدراسة.. وبدأت بعدها التجمعات السنوية تعقد باستمرار بدعوة من المهندس أحمد صبور ونحرص على ان نلبى الدعوة سنوياً لما يدخله علينا هذا التجمع من سعادة وبهجة.. من خلال اللقاء الذى يجمعنا بزملاء وأصدقاء الطفولة.. أو أساتذتنا الأفاضل.. وأيضا بزملاء لنا من دفعات سابقة لنا.. وأيضا دفعات لاحقة لنا.. ومن خلال هذا التجمع السنوى بدأت تتكون مجموعات أخرى لخريجى كل دفعة.. والكل سعيد بهذه اللقاءات.. والجميع يحرص على تنظيم لقاءات مستمرة..
وأصبح شهر رمضان من كل عام هو الموعد المؤكد للقاء السنوى من خلال حفل سحور يدعو اليه المهندس أحمد صبور.. لتجد نفسك وسط كوكبة من الزملاء والأساتذة الأجلاء.. وتعيش يوماً تنتظره سنوياً.. وانت تتمنى ان يستمر طويلا ولا ينتهي.. تخرج منه سعيداً مقبلاً على الحياة.
وإذا كنا قد ودعنا الأسبوع الماضى واحدا من اساتذتنا الافاضل المربى الفاضل محمد عباس سالم قبل أيام قليلة من الاحتفال بعيد ميلاده الرابع والتسعين.. حيث كنا نرتب للاحتفال به يوم السابع عشر من أغسطس الجاري.. إلا ان القدر لم يمهلنا.. وبدلا من ان نحتفل بعيد ميلاده.. وقفنا نعزى أنفسنا فى سرادق العزاء فى وفاته.. ونطلب من المولى عز وجل ان يسكنه فسيح جناته.. وان يمن بالصحة والعافية على كل أساتذتنا ومعلمينا الذين ندين لهم بالفضل.. واذكر انه كان دائما فخوراً بتلاميذه الذين يتبؤون مناصب كبيرة منهم السفراء والضباط وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسون والصحفيون ورؤساء البنوك وأصحاب الشركات الكبرى والمصانع.. والوزراء وكان آخرهم الطيار سامح الحفنى الذى تم اختياره وزيرا للطيران المدنى فى الحكومة الجديدة.. وقد حرص الأستاذ عباس رحمه الله على التواصل معه ليهنئه عقب اختياره.
إن علاقة الأستاذ عباس رحمة الله عليه بتلاميذه كانت علاقة مثالية لما يجب ان تكون عليها العلاقة بين المعلم وتلاميذه.. وكانت المدرسة بالنسبة لنا حياة كاملة كنا نشارك فى جميع الأنشطة الرياضية والاجتماعية والرحلات.. فالأنشطة كانت متواصلة طوال العام بين رحلات نتعرف منها على أهم المعالم السياحية والأثرية بالقاهرة طوال العام.. إلى جانب الرحلة الكبيرة التى كانت تنظم خلال إجازة نصف العام.. والتى اتاحت لنا الفرصة الأكبر للتقرب إلى اساتذتنا بالاضافة إلى التعرف على عدد من المحافظات من خلال رحلات نصف العام التى كانت إلى الأقصر وأسوان والاسكندرية والاسماعيلية وبورسعيد والسويس.. وتركت لنا رصيداً كبيراً من الذكريات.. واتاحت لنا الفرصة للتعرف على كل ما تتمتع به مصر من مقومات سياحية وأثرية.
رحم الله أستاذنا الجليل.. وبارك فى عمر باقى الأساتذة الافاضل.. ورحم الله من توفى منهم.. وتحيا مصر.