قبل الحديث عن الحكاية، لابد من تعريف معنى كلمة «الدبلوماسية».. وفى موسوعة المعرفة، فإنها مأخوذة من الكلمة اللاتينية diploma، التى تعنى وثيقة رسمية، والتى بدورها مشتقة من كلمة يونانية تعنى «ورقة– وثيقة مطوية»، هى نظم ووسائل الاتصال بين الدول الأعضاء فى الجماعة الدولية، وهى وسيلة إجراء المفاوضات بين الأمم، ويطبق اليوم بعض أهل الأدب هذا التعبير على الخطط والوسائل التى تستخدمها الأمم عندما تتفاوض.
بعد هذا التعريف العام لمعنى كلمة «الدبلوماسية»، يمكن أن نعرف دبلوماسية المياه.. ووفقاً لما أشارت إليه العديد من الدراسات ، حيث انه يمكن أن يكون مصطلحاً مفيداً إذا ما عُرف بوضوح، فمن شأن تعريف واضح وموجز أن يضفى قيمة على العملية بوصفها مفهوماً منتجاً يمكن استخدامه على النحو المناسب.
وقد ظهر مفهوم دبلوماسية المياه منذ تسعينيات القرن الماضي، مع تركيز ليس على الجانب التقنى لإدارة المياه، بل على خلفيتها السياسية وانعكاساتها، وهو ما جعل تعريف هذه الممارسة مسألة معقدة ورغم ذلك فغالباً ما يستخدم المصطلح من دون سياق ككلمة «طنانة»، كما يحدث غالباً مع المصطلحات الجديدة، والكلمات «الطنانة» ما يؤدى غالباً إلى إثارة أسئلة حول فائدتها.
من وجهة نظري، فإننى أعتقد أن الدبلوماسية المائية يمكن العمل بها على مستويين داخلياً وخارجياً «إقليمياً ودولياً».. فعلى المستوى الداخلي، يمكن التعامل مع هذا المفهوم فى إطار استخدام آلياتها فى التوعية بقضايا المياه والتحديات المائية التى تواجه الدولة المصرية، من حيث تزايد العجز المائى للبلاد وتناقص نصيب المواطن من المياه العذبة بأقل من المحدد تعريفه عالمياً والزيادة السكانية المتزايدة.. وبالتالى علينا أن نعمل على خلق الآليات المناسبة لهذا المفهوم من خلال مشاركة فعلية وواقعية بين المواطن وأجهزة الدولة المختلفة للتعامل مع هذا العجز، من خلال ترشيد الاستهلاك وتعظيم الاستفادة من نقطة المياه لمواجهة تلك التحديات.. وفى نفس الوقت لا يمكن إنكار الجهود والاستثمارات التى أنفقتها القيادة السياسية فى إطار الجمهورية الجديدة لمواجهة تلك التحديات بمشروعات عملاقة سواء فى مجال تحلية المياه أو التوسع فى إعادة استخدام المياه أو فى تشريعات جديدة تحافظ على نقطة المياه وتعظم الاستفادة منها.. وذلك لصالح مستقبل الشعب، وليس بمفهوم المسكنات كما كان يحدث من قبل وعانينا منه جميعاً.. والحديث فى هذا الإطار متعدد، ولكن ما يهمنا هنا محاولة فهم كيف عملت مصر على مدار عقود عديدة على مفهوم الدبلوماسية المائية وقبل ظهورها فى التسعينيات كمصطلح دولى يستخدم ضمن آليات مواجهة قضايا المياه العابرة للحدود أو الدول المتشاطئة على النهر.. وللحديث بقية.