أعود وأكرر ان الطب مهنة سامية ليست كسائر المهن.. وللجانب الإنسانى دور كبير فى ممارستها.. فالمريض الذى يذهب إلى مستشفى أو عيادة يكون فى أضعف حالاته.. وفى أمس الحاجة إلى نظرة حانية.. ولمسة إنسانية تخفف من آلامه وتفتح له نوافذ الأمل فى الشفاء.. وقمة المأساة أن يتعامل الطبيب مع المريض على انه «زبون» يجب تحقيق أقصى استفادة منه.. ولابد من استمرار استنفاد موارده بين إجراء تحاليل وآشعات فى نفس العيادة التى يديرها الطبيب وربما كان معمل التحاليل أو الآشعات للابن أو الزوجة.. أو شريك المشروع الطبي.. وما يجرى الآن فى معظم العيادات تجارة وليس «طب» وزاد من الظاهرة قلة الخبرات الطبية ووجود عشرات كليات الطب الخاص من أصحاب الامكانات المادية والعيادات الفخمة المجهزة بمعامل التحاليل والآشعات.. وقطعا يعجز عن التشخيص فيطلب مجموعة من التحاليل والآشعات.. تكبد المريض فوق طاقته وربما باع ما يملك لإجرائها والاطمئنان على صحته.. وقطعا تحاليل شاملة وآشعات متنوعة لو نظر فيها «ممرض» أو «ممرضة» لعرف بيت الداء.. حتى وان كانت شيئا ايجابيا ومطمئنا للمريض لكن قطعا لم يكن فى حاجة إليها ولم تكن حالته تستدعى كل ذلك.. لكن هذا هو اسلوب التعامل مع المريض على انه «زبون» ويجب أن يدفع ويجب على العيادة أن تربح.
الأغرب والأعجب من ذلك المبالغات الرهيبة فى أسعار الكشف بالعيادات خاصة لدى بعض الأطباء من أصحاب التخصصات والخبرات.. فتجد الكشف يتعدى الألف جنيه.. والموعد بعد شهر أو أكثر.. ولست أدرى كيف ينتظر المريض الذى تعرض لأزمة أو أصيب فجأة بمرض معضل.. كيف ينتظر شهرا ومن أين لمريض غير مقتدر أن يدفع قيمة الكشف أو نفقات العلاج لدى هؤلاء المتخصصين.. أصحاب الخبرات النادرة.. وأين هؤلاء من البروفيسور العالمى الدكتور مجدى يعقوب الذى يجول المحافظات من أسوان إلى الاسكندرية.. يعالج ويداوى ويجرى جراحات ويعلم تلاميذه وينقل لهم كل خبراته.
>>>
وقطعاً هناك عشرات الأطباء الوطنيين الذين يتمتعون بإنسانية عالية ويتفانون فى أداء الأمانة الطبية التى يحملونها والرسالة الإنسانية التى اقسموا على الوفاء والإخلاص وصون أسرارها وأدائها نحو مرضاهم.. ولا أريد هنا أن أرصد أسماء بعينها.. أعرفها.. وألمس الجهد الكبير الذى يبذلونه نحو البسطاء.. والعمل ليل نهار فى مستشفيات عامة أو عيادات خاصة لا يزيد الكشف فيها عن أى تذكرة فى مستشفى ويقومون بواجبهم الإنسانى نحو مرضاهم على أكمل وجه.. ولعل طبيب الغلابة الراحل ومثله كثيرون.. يجسد معنى الانسانية فى ممارسة الطب فى اسمى صورها.
>>>
لكن يجب أن تكون هناك معايير طبية تضع حدا أقصى للكشف والمدة الزمنية للانتظار من جانب نقابة الأطباء أو وزارة الصحة لتكون ملزمة لكل من يحصل على ترخيص بعيادة أو مستشفى خاص.. ولا تترك للعرض والطلب.. فالطب ليس سلعة.. والمريض ليس زبوناً وللإنسانية حق فى من يحمل الأمانة الطبية.
>>>
ولابد أن تكون هناك رقابة من وزارة الصحة والنقابة على من يمارس الطب ولابد أن يحصل على ترخيص ممارسة مثل ترخيص المرور لقيادة السيارة.. فلا يعقل أن يمارس الطب مجرد خريج أى كلية طب.. فتلك كارثة قد يكون ثمنها أرواح عباد.. وحدث أن أصيب طفل صغير بارتفاع فى الحرارة واحتقان فى الزور والجيوب الأنفية.. أسرع والده إلى طوارئ عيادة خاصة بجانبه فخرجت الطبيبة الشابة بسماعة وأجرت الكشف الظاهرى بالسماعة تضعها تارة على البطن وتارة على الصدر.. وكررت ذلك عدة مرات فأخبرها والد الطفل ان حرارته مرتفعة ويتنفس بصعوبة.. بينما الطبيبة فى حيرة.. تفتح الموبايل تارة وتدخل على شاشة الكمبيوتر تارة أخري.. فالبرامج الآن يمكن أن تكتب لها مما تعانى فتصف لك الدواء.. ولاحظ الأب ان الطبيبة لا تعرف شيئا ثم طلبت منه اعطاء الطفل بعض الحقن والأدوية.. فشك الأب فى عدم خبرتها وخشى على طفله وأعطاه خافضا للحرارة.. وعاد إلى منزله وفى صباح اليوم التالى أسرع إلى الطبيبة التى يتعامل معها.. فروى لها فحمدت الله انه لم يعطه أى دواء مما وصفته طبيبة الطوارئ الشابة لأنها كانت يمكن أن تودى بحياة الصغير.