لم يعد بمقدور أحد أن يتوقع مستقبل منطقة الشرق الأوسط أو يرسم خريطة للأيام القادمة، الغموض هو المسيطر والضبابية تخفى وراءها سيناريوهات متنوعة، وكلها متوقعة لكنها ليست محسوبة سواء حرب شاملة، أو مواجهات مباشرة، أو عمليات إرهابية أو الوصول إلى مرحلة الفوضى الكاملة والاكتفاء بمواجهات محدودة.
فى كل الأحوال قراءة المشهد تحتاج إلى تأن وحذر شديد، فكل لحظة هناك جديد وواقع مختلف، وكل صباح سيناريوهات مختلفة، والمؤكد أنه حتى من يخططون للأحداث لا يملكون القدرة على تنفيذ ما يخططونه، لأنهم لا يملكون ما يضمن لهم أن تسير الأمور كما يريدون، ففى لحظة قد يكون الانفجار أكبر مما يتصوره الجميع، وتصل المنطقة إلى كارثة.
المؤكد أيضا أن المنطقة على حافة جبل ينهار جزء بعد الآخر، وحتى الآن لا أحد يريد أن يتعاون لانقاذها، مصر تحاول جاهدة للإنقاذ، وتناشد الجميع تحكيم صوت العقل، وتقدم أفكاراً جادة من أجل التهدئة واخماد النيران المشتعلة التى تصهر المنطقة الصلبة لكن لا أحد يريد أن يستمع.
فى هذا التحليل يقدم لنا إثنين من أصحاب الخبرة الدبلوماسية رؤيتان من واقع التجربة لما تشهده المنطقة.
قضية فلسطين هى القضية المحورية للعرب ليس من لحظة قيام إسرائيل فى عام 1948 ولكن من قبل ذلك منذ صدور وعد بلفور وصدور الكتب البريطانية البيضاء وهى فى حقيقة الأمر كتب سوداء تدعو لهجرة اليهود الأوروبيين واستيطانهم فى أرض فلسطين العربية.
منذ قيام دولة إسرائيل وهى تحظى بدعم غير محدود من الدول الامبريالية فقد ولدت من رحم بريطانيا من خلال وعد بلفور وكانت الولايات المتحدة أول من اعترف بها وقام مشروعها النووى الذى أفرخ قنابلها الذرية بدعم فرنسى وقدمت لها ألمانيا من الدعم المالى ما يتجاوز الحدود بدعوى تعويضها عن المحرقة وتعهدت الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق النوعى لإسرائيل فى السلاح فزودتها بأحدث مقاتلاتها حتى قبل نشرها فى وحدات السلاح الجوى الامريكي خاصة وأنها تتحدى كل الاخلاقيات والقوانين الإنسانية وتصر على دعم إسرائيل فى حرب الإبادة التى ترتكبها وتمدها بالسلاح.
فهناك انحياز أمريكى كامل منذ البداية ولكن ماحدث مؤخرا يجعلنا نقلق ونتعجب من موقف الولايات المتحدة.. خاصة وانها تتحدى كل الاخلاقيات والقوانين الانسانية وتصر على دعم إسرائيل فى حرب الابادة التى ترتكبها وتمدها بالسلاح.
فى السنوات الاخيرة حدث تطور مزعج فى موقف الولايات المتحدة فرغم انحيازها الفج لإسرائيل إلا انها كانت تراعى وضعها كعضو دائم فى مجلس الأمن عليه مسئوليات فى احترام ميثاق الامم المتحدة إلا انها حادت عن هذا الموقف عندما اعترفت بضم إسرائيل لهضبة الجولان المحتلة واعترافها بالقدس عاصمه لإسرائيل ونقل سفارتها اليها وهو ما فيه تعارض مع الميثاق الذى يحرم الاستيلاء على الأراضى بالقوة.. ورغم انها كانت تزود إسرائيل بالسلاح من خلال جسور جوية أثناء حروبها إلا انها كانت تخفى ذلك بهالة من السرية تحرص على ان تكون شفافة لدعم إسرائيل معنويا إلا ان نشاطها لم يكن أبدا علنيا ولدينا مثال السفينة ليبرتى التى بعثتها لدعم إسرائيل فى الشوشرة على اتصالات الجيش المصرى وكان وجودها محاطا بسريه كامله حتى ان الطائرات الإسرائيلية قصفتها لأن أمرها لم يكن معروفا إلا فى الدوائر العليا.. وبعد حرب 73 بسنين كشف الغطاء عن العملية Nicklegras وهى عملية الجسر الجوى الهائل الذى نقلت فيه الولايات المتحدة السلاح والذخائر والعتاد لإسرائيل لتعويض ما خسرته وحمايتها من الهزيمة الساحقة.. أما موقف الولايات المتحدة بعد عملية حماس يوم 7 أكتوبر فقد تميز بالسفور الفاجر الذى سقطت معه ورقة التوت التى كانت تتخفى وراءها فهرع رئيسها ليشارك فى مجلس الحرب الإسرائيلى وكذب كذبته البائسة بشأن الاطفال الإسرائيليين مقطوعى الرءوس.
ثم هرع وزير خارجيتها ليعلن انه لا يتواجد بصفته وزير خارجية بلاده بل بصفته مواطن يهودى فى انتهاك صارخ لما ادعته بأنها دولة علمانية تنبذ التفرقة على أساس الدين أو العرق وازداد الأمر سوءاً عندما دعا عضوا بمجلس الشيوخ الامريكى إسرائيل بانهاء الحرب فى غزه كما أنهتها الولايات المتحدة مع اليابان بقصفها بالقنابل الذرية ثم أرسل ستة من أعضاء مجلس الشيوخ رسالة تهديد إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية استخدموا فيها عبارات جديرا بأعضاء عصابات المافيا والجريمة المنظمة.
ما سبب هذا التحول السافر؟
لعل جزءاً مهماً من هذا ناتج عن تحولات داخلية فى الولايات المتحدة يرجع جزء منها إلى ضعف القيادة وعجز الحزبين الرئيسيين اللذين سيطرا على الساحة السياسية منذ أمد بعيد عن مجاراة التحولات الاجتماعية الداخلية وتغول اللوبى الصهيونى الذى جعل السياسيين يتهافتون لإرضائه حتى على حساب المصلحة الامريكية وفى مقابل ذلك تشرذم الجبهة العربية إلى درجة الاقتتال العربي- العربى فى ليبيا والسودان واليمن وسوريا والعراق ولبنان بحيث فقدت المصلحة العربية وزنها على الساحة الدولية مما فتح الآفاق للأجندات الأمريكية والإسرائيلية- الأمريكية التى تتمحور حول الشرق الأوسط الجديد بحدود ترسمها الولايات المتحدة كما رسمت بريطانيا وفرنسا حدوده عقب الحرب العالمية الاولى وازدادت أهمية السيطرة على الشرق الاوسط لمنع سيطرة الصين عن طريق مشروع الحزام والطريق وسيطرتها على موارد الشرق الوسط وخاصة البترول والأسواق فضلا عن استمرار محاولات خنق روسيا فى المنطقة التى لم يبق لها منفذ على البحر المتوسط إلا من خلال سوريا وزادت أهمية هذا العنصر بعد اندلاع الحرب الأوكرانية أما إسرائيل فأجندتها تقوم على استغلال اهتراء الجبهة العربية لفرض سلام أو استسلام يجعل منها القوة المهيمنة على الشرق الاوسط ويوصلها إلى البترول والمياه ورءوس الاموال والأسواق العربية وتصبح بذلك إسرائيل الكبرى التى تحكم لا من النيل إلى الفرات بل من المحيط إلى الخليج فهذا هو المخطط المستهدف للشرق الأوسط وتحديداً المنطقة العربية ويسعون لتنفيذه بكل السبل.
وقد باتت أجندة إسرائيل مدعومة تماما من الولايات المتحدة فى كل جرائمها ومخططاتها التى ترتكبها بداية من حرب الإبادة إلى الاغتيالات التى تنفذها على مرأى ومسمع من العالم وفى ظل مساندة أمريكية واضحة تحت مسمى أمن إسرائيل بعد ان أوهمها اللوبى الصهيونى ان ذلك يصب فى مصلحتها حتى سيطر اللوبى الصهيونى تماما على الإرادة الامريكية وباتت الولايات المتحدة بالنسبة لإسرائيل هى الضفة الغربية للمحيط الاطلسى مثل الضفة الغربية لنهر الأردن تسيطر عليها تماما.
الوضع جد خطير فلم يسبق ان اسفرت الولايات المتحدة عن تأييد لإسرائيل مثل الاستقبال الذى بدا فجا وقبيحا فى الكونجرس لمجرم الحرب نتنياهو والذى بدأ فيه الاستهانة بالأرواح العربية وبالدم العربى وبالحق العربى علينا كعرب ان نتنبه اننا نواجه تحالفاً شيطانياً بين إسرائيل والصهيونية العالمية والولايات المتحدة ومن ورائهم حلف شمال الأطلنطى ومع الايام يتضح لكل صاحب رؤية ان هذا التحالف الشيطانى لا يسعى إلى أرضنا وثرواتنا فحسب بل يسعى إلى تشويه ديننا مسلمين ومسيحيين.
التحدى كبير والخطر جسيم والعدو زنيم والمخطط للمنطقة كبير ورهيب لن تقدر عليه دولة عربية منفردة ولن نستطيع مواجهته إلا بتوحيد جبهتنا وضم صفوفنا كما تطالب مصر حتى يكون صوتنا مسموع لاننا فى لحظة فارقة من التاريخ اما ان نكون أو لا نكون وكما شدت أم كلثوم بكلمات حافظ إبراهيم «نحن نجتاز موقفا تعثر الآراء فيه وعثرة الرأى تردي»