بغباء شديد وغطرسة غير محسوبة وسعت إسرائيل جبهات الصراع وفتحت الباب لصراع إقليمي كتبت بدايته، لكن المؤكد أنها لن تستطيع أن تحدد مساره وتطوراته أو إلى أين يصل في نهايته، ففي 24 ساعة ضربت ضاحية في جنوب لبنان لتستهدف فؤاد شكر القيادي في حزب الله، وسقط بسببها 60 ما بين قتيل ومصاب، وأغتالت القيادي الحمساوي إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب طهران بصاروخ موجه إلى جسده في مقر إقامته بمنطقة المحاربين القدامي عقب مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني، أى أنه اغتيال للسيادة الإيرانية أيضاً.
كل هذا دون أن تتوقف إسرائيل عن عدوانها على غزة ومواصلة حصد أرواح الأطفال والنساء وزيادة معاناة القطاع وسد الطريق أمام أى محاولات للتفاوض والمشهد بكامله يؤكد أن إسرائيل راغبة بشدة هذه المرة في أن تتسع رقعة الصراع وتمتد الحرب مهما كانت نتائجها، بعدما فقدت القدرة على تحقيق أي انتصار داخلي تخاطب به الإسرائيليين ولكن مع التهديدات الواضحة من حماس بالرد الحاسم ومن حزب الله بالانتقام ومن طهران بعدم مرور ما حدث دون حساب فإن الأيام القادمة ستكون عصيبة، وربما تشهد المنطقة تطورات غير محسوبة أو متوقعة خاصة مع ارتفاع وتيرة التهور والجنون الإسرائيلي، والإصرار على عدم الاستماع إلى صوت العقل أو التوقف عن العمل العسكري.
ما يحدث الآن هو ما توقعته مصر منذ مساء 7 أكتوبر 2023 وحذرت منه صراحة وأكد الرئيس السيسى وقتها بشكل واضح أن الأمر يسير في اتجاه صراع إقليمي ودخول أطراف أخري، وطالب مبكرًا بضرورة بصروره صوب الاستماع إلى صوت العقل وتغليب المسار السياسي التفاوضي وفادت مصر هذا المسار وبذلت جهودًا مضنية لتقريب وجهات النظر ووقف الحرب، لكن التعنت الإسرائيلي الواضح أفشل كل المحاولات وجولات التفاوض ودمر كل فرص السلام وها هو يدخلنا في دائرة مفرغة تداعيتها كارتية ليس على إسرائيل وحماس أو إيران فقط يل المنطقة بالكامل والعالم أيضا، فالواضح أننا الآن أمام نقطة فارقة تنطلب حسابات أخري، وإذا لم تسارع القوى الدولية بالتحرك لوقف التطورات فلن تهدأ المنطقة..
لأننا أصبحنا أمام معادلة صفرية، إيران وكل أذرعها في المنطقة سيحاولوا الرد بكل السبل حتى يظهروا لتل أبيب أن جرائمها لن تمر دون حساب.. لأن صمتهم أو ضعف روحهم معناء بوضوح فتح الباب أكثر أمام إسرائيل لمزيد من استباحة أمنهم وسيادتهم واختراق أي حدود واستهداف قيادتهم في كل مكان.. وهذا ما بهز صورتهم تمامًا ويضعف موقفهم.
وفى المقابل ما حدث إن مر دون رد فعل عنيف ومؤلم لتل أبيب فسوف يشجع إسرائيل على التمادي وممارسة مزيد من الإرهاب والاستهداف وهذا ما تراهن عليه فعلا.
كل هذا يضعنا أمام واقع صعب كتب على المنطقة أن تعيشه وأن تدفع الشعوب ثمنه نتيجة صراعات لا نهاية لها وسببها الجنون والبحث عن مصالح شخصية لنتنياهو وحكومته المتطرفة التي لا تحسب نتائج تهورها، وتعتقد خطأ أن سياسة الاغتيالات ستحقق أهدافها والحقيقة أنها ستؤدى إلى كوارث ولهذا فالوضع الآن يؤكد أنه لا بديل عن العودة إلى الصوت المصرى الذي يفرض نفسه بقوة كلما اشتدت الأزمة وتصاعد الصراع.. فمصر منذ البداية كانت تعلم بخبراتها ورؤيتها أن مسار الصراع يقودنا إلى الكارثة التى نواجه شبحها الآن ولذلك طالبت بالتوقف عن التصعيد وإنهاء الحرب.. فمصر منذ البداية كانت تعلم بخيرتها ورؤيتها أن مسار الصراع يقودنا إلى الكارثة التي تواجه شبحها الآن ولذلك طالبت بالتوقف عن التصعيد وإنهاء الحرب وتحركت بكل السيل وفي كل الاتجاهات وشرحت ومازالت تشرح لكل القوى الفاعلة خطورة الوضع، وبذلت جهودًا مضنية على المستوى السياسي والدبلوماسي من أجل إنقاذ المنطقة من الانفجار والابتعاد بها عن الحرب الإقليمية المدمرة، لكن أحداً لم يستمع ولم يع الخطر ولم يفطن إلى التحذير المصري، إلى أن وصلنا إلى حافة الهاوية التي تقف عليها المنطقة الآن ليس فقط الصراع بفعل الجرائم الإسرائيلية، وإنما أيضا يسبب الصمت وضعف المجتمع الدولي عن امتلاك قدرة الردع لدولة الاحتلال ومنعها من التمادي في جرائمها.
الآن لم يعد أمام الجميع إلا العودة إلى الرؤية المصرية والاحتكام إلى صوت العقل وتوحيد الجهود لوقف سبب الكارثة وأصل الصراع، وهي الحرب على غزة، ولن يحدث هذا إلا بالضغط الواضح على إسرائيل وعدم التهاون معها.
لقد حان الوقت ليقول المجتمع الدولي كلمة الحق ويعلن فعلًا وليس قولًا أن حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة في دولتهم المستقلة هو الحل الحاسم والنهائي لكل هذا النزيف المدمر في المنطقة، والطريق إلى الخروج من الصراع الفوضوى الذي تعيشه المنطقة.
ولقد قدمت مصر تصوراً واضحا وإذا سائدها المجتمع الدولي وفي المقدمة الولايات المتحدة يمكن أن نصل إلى نقطة نجاح.. والبداية بهدئة طويلة تصل إلى وقف للحرب، وتبادل الأسرى والمحتجزين مع توافق على بدء المسار السياسي لحل الدولتين.
وأعتقد أن العالم والقوى الدولية مطالبون الآن يبذل جهود جادة لإقناع تل أبيب أنه لم يعد ممكنا الاعتماد على السلاح والحرب لحسم المعارك ولا مقبولاً الحديث عن فكرة إنهاء القضية الفلسطينية أو رفض لدولة فلسطين المستقلة، لأن هذا معناه أن الصراع لن ينتهي والدماء لن تتوقف بل ستزيد وسيطال الدمار كل الأطراف، وأولها إسرائيل نفسها التي لم بعد يعرف مواطنوها معنى الأمان، بل يعيشون في حالة من الرعب المستمر وأغلبهم لا يغادر المخابئ لأنه في ظل المعادلة الصفرية لا شيء مستبعدًا والأفضل للإسرائيليين الآن أن يعيشوا في دولة آمنة تجاور دولة فلسطين المستقلة.
أيضا على الجانب الفلسطيني بكل مكوناته أن يعى أنه حان الوقت للاتفاق على كلمة فلسطينية واحدة، لان تعبر عن تيارات ولا فصائل، بل تعبر عن الدولة التي تجمع الكل تحت رايتها وثوابتها، لأنه بدون ذلك لن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه، بل قد تفقد الفصائل الكثير وتمنح إسرائيل فرصة لمزيد من الجرائم في حق الشعب البريء، وطالما ظل التشرذم الفلسطيني، سيظل الجميع فرصًا متاحة أمام الاحتلال وستظل فلسطين تواجه تحدى البقاء لكن مع توحدهم يمكن أن تتغير الصورة تمامًا.