لماذا لا نصنع السعادة لأنفسنا، بعيداً عن تداعيات وآثار الأزمات العالمية والإقليمية المتلاحقة التى فرضت أجواء من الصعوبة وقسوة الحياة والمعاناة، ولماذا لا نفكر خارج الصندوق، ونبادر بخلق أجواء جديدة من التفاؤل، والانبساط، خاصة للناس البسطاء والشباب المكافح المنشغل بالعمل وتوفير نفقات الحياة، كانت حفلة سيدة الغناء العربى أم كلثوم كل خميس تصنع أجواء من البهجة والسعادة لدى المصريين، لا يستثنى منهم الغنى والفقير، والجميع ينتظرونها منهم من يحضر الحفلات، ومنهم من ينصت إلى أغانيها عبر أثير الإذاعة، أو التليفزيون فيما بعد والسؤال لماذا نصر على أن نعيش فى بوتقة تداعيات الأزمات العالمية ومعاناتها، وظروفها الصعبة، لابد من البحث عن وسائل وأفكار تضفى السعادة والبهجة على النفوس.
المطربون منشغلون بالحفلات ذات الإيرادات والأجور الخيالية، والنقابات الفنية، تشعر أنها بعيدة عن المشهد تماماً لا تبادر بأفكار أو خلق مناسبات وحفلات تنتشر فى ربوع البلاد تحقيقاً للعدالة الفنية والثقافية بدلاً من قصرها على أجزاء بعينها فى البلاد، ربما لا يستطيع البعض توفير نفقات الوصول إليها، وأين إمكانيات وقدرات وزارة الثقافة، وماسبيرو، وأين حفلات ليالى التليفزيون، وأين رموز الطرب والفن فى جبر خواطر الناس، وتخصيص جزء من أوقاتهم على مدار العام لا أقول مجاناً ولكن بمقابل بسيط.
الحقيقة، أن الاستسلام للظروف القاسية والتداعيات الصعبة، لأزمات عالمية وإقليمية طاحنة يشيع أجواء من الكآبة، فى ظل الصراعات الدموية فالحياة تستمر، وكل يوم فى حال لكن يبقى الإنسان دائماً قادراً على صناعة الأمل والسعادة، ومصر تتمتع وبفضل الله وحكمة قيادتها بمناخ عظيم من الثقة والأمن والأمان والاستقرار، يجب استثماره فى إدخال السعادة فى نفوس الناس على امتداد الجمهورية بأشياء وجهود بسيطة، يساعد فيها بعضنا البعض بطبيعة الحال للفنان والمطرب دور مجتمعي، لابد أن يؤديه ودور وطنى أيضاً، ربما اكتفى البعض منهم وهم قلة بالغرور والتعالى على جماهيرهم التى صنعت نجوميتهم ووصل الحال بهؤلاء بصفع محبيهم، لذلك لابد من تقويم، وإصلاح هذا المشهد وعلى وزارة الثقافة، والنقابات الفنية والموسيقية أن تقوم بذلك وتقوم بحشد الجمهور، وتعويض المواطن المصرى غير القادر بحضور حفلات غنائية فى كافة المحافظات، وربوع البلاد، وربما تشهد تقديم مواهب جديدة وتشارك فيها أيضاً فرقة وزارة الثقافة والأوبرا والموسيقى العربية، وكورال وزارة الشباب والرياضة، والجامعة مثل كورال جامعة عين شمس، والفرقة الغنائية، وأيضاً بمشاركة نجوم الطرب كجهود تطوعية، وأظن، أن كبار ونجوم الطرب لن يمانعوا مثل على الحجار ومدحت صالح وجيل التسعينات مثل حميد الشاعرى وإيهاب توفيق وهشام عباس، وأيضا تامر حسنى وربما يصل الأمر إلى مطربين أشقاء من الدول العربية ساهمت مصر فى صناعة نجوميتهم.
تحقيق العدالة الفنية والثقافية أمر مهم، وأظن أن وزير الثقافة يجب أن يقود هذه المبادرة والحركة الفنية الغنائية فى كافة ربوع البلاد فى الصعيد، وبحرى وسيناء وباقى المحافظات، فهؤلاء لا يتمكنون من حضور حفلات الأوبرا، أو مهرجان القلعة، أو حفلات الإسكندرية والمدن الساحلية، لذلك لابد أن تذهب إليهم، إعلاماً وفناً وطرباً يرون النجوم بينهم، سواء فى تقديم الحفلات أو المشاركة فى الغناء، أو حتى عروض مسرحية متنقلة لكبار نجوم الكوميديا وهنا ربما أجدنى أطالب بإحياء المسرح سواء الخاص أو العام بالتعاون مع وزارة الثقافة، فلم نعد نسمع عن حفلات الأوبرا والموسيقى العربية ورموز الطرب الأصيل، وكم من مرة أحضر حفلات لمدحت صالح وعلى الحجار، ومحمد الحلو، وريهام عبدالحكيم ومى فاروق لروائع الغناء المصرى والعربي، فأين هؤلاء من الساحة الغنائية ولماذا لا تدور عجلة الفن الراقى وتصل إلى كافة ربوع البلاد، ولماذا لا تكون هناك حفلة أسبوعية من كل خميس تحضرها الجماهير، ويشاهدها المواطنون على شاشات التليفزيون والقنوات الفضائية فمصر هى أصل الإبداع والغناء والفنون الراقية ولا يمكن أن تتحول الحياة إلى مجرد أرقام وحسابات ولابد أن يكون هناك جزء منها لاشباع الوجدان والاستمتاع بالطرب والغناء والمزج بين أغانى الطرب الأصيل والشبابي، والشعبي.
الحقيقة أن مصر حتى مع تداعيات الأزمات العالمية، وما سببته من بعض المعاناة، إلا أنها تعيش حالة من الثقة والتفاؤل، والثبات ورغم ما يدور حولنا، من حرائق وصراعات إلا أن لدينا الثقة العميقة، والقدرة الفائقة على الحفاظ على ما تحقق من أمن وأمان واستقرار نجحت القيادة السياسية خلال العشر سنوات الماضية فى الاستثمار العبقرى فى بناء القوة، وبذلك لا يمكن أن نسمح لأنفسنا أن نعيش أجواء جافة وخشنة، بل تعود مصر لمسيرتها فى الإبداع والطرب، والعمق الثقافي، ونصنع سعادتنا بأنفسنا ولدينا الإمكانيات والقدرات التى تجرى فى جينات المصريين، بالإضافة إلى تقديم المواهب الجديدة وإفساح المجال للوجوه الواعدة فى الغناء والطرب والفن الأصيل، هذا جزء مهم من عمل وأجندة الوطن، ولابد من مشروع وطنى كبير يستطيع أن يحشد طاقات الإبداع المصرية، لصناعة السعادة وأجواء البهجة، وكذلك الرقى بعيداً عن مظاهر التسطح والتدني، ولابد لوزارتى الثقافة والشباب والرياضة والمحافظات أن يحلوا مشاكل الفن الأصيل، لاشباع الوجدان المصرى بدلاً من الاغراق فى المادية وصعوبات الحياة للتخفيف وتحقيق الانتعاشة الذهنية.
فى اعتقادى ان وزارة الثقافة غائبة عن هذا المشهد، ولابد ان تشهد حالة من الحراك الثقافى والإبداعى والفنى وتحقيق بناء الوعى عبر الفنون والثقافة والغناء والطرب والارتباط بالأصل والهوية المصرية، فأين الفنون الشعبية وفنون الصعيد والبدوية والإسكندرانية والسمسمية والطرب الأصيل وأين معارض الكتب فى إجازة الصيف لم نسمع عن وجود أى نشاط ثقافى ربما أنا لا أعلم أو هناك تقصير إعلامى من الثقافة، لكن مثلما فعل الوزراء والمحافظون فى النزول إلى الميدان والشوارع، على وزارة الثقافة ان تنزل الميدان لبناء الوعى والوجدان والتنوير وصناعة السعادة، ولا أدرى لماذا هناك بعض المؤسسات سواء الدينية أو الثقافية اختارت التقوقع، والانكماش ولا تطلق المبادرات والالتحام بالناس ولدينا الكثير من الأهداف والتحديات خاصة بناء العقل والوجدان المصري، ونتحدث كثيراً عن بناء الهوية والشخصية، دون أى تحرك فعال على أرض الواقع، نحن مستغرقون فى هذه المؤسسات فى الأحاديث والتصريحات دون وجود رؤية أو أجندة واضحة على أرض الواقع.
وللحديث بقية