هل وصلت الحضارة الغربية إلى مرحلة «الغروب البطيء»؟ وهل سيشكل «صوت الجنوب الهادر»ما يمكن أن نطلق عليه»حضارة الجنوب الشرقية»؟ وإذا كان الأمر كذلك فماذا عن مصر؟ التى تنظر إلى الغرب المتقدم وحضارته بإعجاب شديد ويتمنى الكثيرون أن نكون مجتمعا يشبه مجتمعاتهم، فى نفس الوقت الذى تتمسك مصر بشرقيتها الثقافية وتفخر بأنها مكون رئيس من مكونات صوت الجنوب، فهل تتجه مصر نحو الغرب كما كان يتمنى ويفخر طه حسين بأننا جزء من الحضارة الغربية فى محيط البحر الأبيض المتوسط؟ أم نتجه إلى الجنوب والشرق لأننا وبحق جزء منه جغرافيا وثقافيا وسياسيا؟ بيد أن القضية المطروحة هى قضية هوية، من هنا لابد وان نؤكد ونتأكد من كوننا «حالة حضارية متفردة» يصعب ذوبانها وضياع ملامحها مهما كانت الظروف، فالحضارة المصرية القديمة استمرّت تمدنا– حتى الآن– بمداد لا ينضب من الوعى الحقيقى غير الزائف عن مفهوم الهوية المصرية، فإذا كانت حضارة الغرب التى تمثلها أوروبا وأمريكا واستراليا وغيرها يطلق عليها «الحضارة الغربية» وإذا كانت روسيا والصين والهند ودول جنوب شرق آسيا وأفريقيا وبعض الدول اللاتينية يطلق عليها حضارة الجنوب او صوته او الحضارة المشرقية، فإن مصر الدولة الوحيدة التى يمكن أن تطلق عليها «صاحبة حضارة» وكذلك نقول «الحضارة المصرية» لا شرقية ولا غربية وإنما مصرية وضاربة بجذورها فى اعماق التاريخ، لكن هل يعلم المصريون جميعا أننا نملك اضخم احتياطى فى العالم من «مكنون الحضارة البشرية ومخزونها الذى لا ينضب»؟ هل يعلم المصريون جميعا أن كل محاولات تهميش وتهشيم الشخصية المصرية قد فشلت عبر التاريخ بفعل هذا المخزون النادر من الحضارة الإنسانية الراقية؟ الآن يعيش العالم مرحلة شديدة الصعوبة والدقة والخطر يحيط بالجميع، مظاهر عديدة واحداث متنوعة تعكس ما وصلت اليه الحضارة الغربية من انحطاط ينذر بالانهيار السريع، الديمقراطية ونظم الحكم الغربية فى مرمى التجاذبات السياسية العنيفة بين اليسار المتطرف واليمين الأشد تطرفا، مباديء الحرية الغربية المطلقة باتت سببا فى إشاعة حالة من الرعب على مستقبل الجنس البشرى ذاته، فالدعوة الفجة إلى عالم احادى الجنس تمثل رصاصة مسمومة فى قلب الطبيعة البشرية التى تقاوم من أجل البقاء، اوربا التى تحللت فيها الاسرة وانهارت المبادئ على مذبح الحرية رأينا صداها فى افتتاح أولمبياد باريس الذى كرس كل جهوده لضرب قيم الدين وتشويه رموزه بالإضافة إلى تكريس الأفكار المنحرفة المنحطة الشاذة وأشاعتها امام مليارات البشر لتكون شيئاً عادياً، لكن على الطرف الآخر من العالم نجد الصين والهند وقبلهما الاتحاد الروسى يحاول الحفاظ على قيم الاسرة واحترام الطبائع البشرية مهما كانت التحديات، فى المنتصف يقبع العالم العربى فى حالة «حيرة ثقافية» أو «توهان ثقافي» بين التغريب والتشريق، فهناك من يؤمن بالحضارة الغربية كاملة ويخلع رداءه الشرقى دون خجل، وهناك من يرتدى الأردية الغربية خلسة ودون ان يراه أحد وكأنه يختبئ خلف اصبعه، كل هذا نراه أمام أعيننا ونبدى اندهاشنا وامتعاضنا من سلوكيات القطيع التى يؤمن بها الكثيرون، وسط هذا الضجيج وهذه الفوضى غير الخلاقة تقف مصر فيما يبدو فى مفترق طرق ثقافية وفكرية، لكن ما يبدو أمامنا من حيرة مخيفة أراه سرابا وشاركا منصوبة أمامنا لتسلب منا مكامن الثقة والقوة وتستنزف معيننا الحضارى الذي– من المؤكد– لن ينضب مهما اشتدت الخطوب والمحن، أنا مطمئن بحذر فالحذر واجب لان الأمم لا تسقط بالحروب وإنما تنهار بالهزيمة النفسية من الداخل.