نعيش هذه الأيام ذكرى معجزة الاسراء والمعراج.. ذكرى حفاوة السماء برسول الله صلى الله عليه وسلم.. ولكى اكتب ويكون كلاما موثقا.. كان لابد أن ألجأ إلى عدة كتب: حياة محمد للدكتور هيكل.. والمعجزة الكبرى (الإسراء والمعراج) لفضيلة الإمام الشيخ محمد متولى الشعراوي.. تعرض رسولنا صلى الله عليه وسلم.. إلى ظروف صعبة وقاسية.. أذى كثير من المشركين والكفار.. كما اشتد الأذى على المسلمين وأشار عليهم رسول الحق صلى الله عليه وسلم.. ان يهاجروا إلى الحبشة هربا من الظلم والطغيان.. والأسوأ من ذلك.. أن تقرر قريش مقاطعة رسول الله ومن معه من المسلمين لمدة ٣ سنوات لا يبيعونهم شيئا ولا يشترون منهم.. ولا يزوجونهم ولا يتزوجون منهم.. وكتبوا كتابا تعاهدوا فيه على هذه المقاطعة وعلقوه داخل الكعبة.. وعانى رسول الحق صلى الله عليه وسلم والمسلمين من الجوع.. لدرجة انهم أكلوا ورق الشجر.. ومن العجيب.. أن الله سبحانه.. سلط أرضة الأرض لتأكل هذه الصحيفة!! فيما عدا باسمك اللهم.. وابلغ الوحى رسول الحق صلى الله عليه وسلم بذلك.. فأبلغ عمه ابو طالب الذى أبلغ قريش.. ويصاب رسول الحق صلى الله عليه وسلم.. بمصيبتين فى عام واحد مات عمه ابوطالب.. وماتت زوجته خديجة.. وسمى هذا العام بعام الحزن.. وهنا يزداد إيذاء الكفار للمسلمين ويخرج رسول الحق صلى الله عليه وسلم وحيدا.. دون أن يخبر احداً متوجها إلى الطائف.. يلتمس من أهلها (بنو ثقيف) النصرة.. يدعوهم إلى الإسلام.. لكنهم استقبلوه اسوأ استقبال.. سبوه ورموه بالحجارة.. حتى جرحت قدماه الشريفتان.. وجلس تحت ظل شجرة.. حزينا.. بلغ منه الحزن مبلغه.. وهو يرى جحود خلق الله.. بدعوته إلى دين الحق.. وهذا الايذاء والنكران والقسوة التى تعرض لها.. ويرفع رسول الحق يده إلى السماء.. يشكو ظلم أهل الأرض.. مرددا الدعاء الخالد: اللهم إليك اشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس.. يا أرحم الراحمين.. أنت رب المستضعفين.. وأنت ربي.. إلى من تكلني.. إلى بعيد يتجهمنى أو إلى عدو ملكته أمري.. إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي.. ولكن عافيتك أوسع لي.. أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات.. وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بى غضبك.. أو يحل سخطك.. لك العتبى حتى ترضي.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.. أتوقف أمام هذه الكلمات الرائعة البليغة.. التى تصلح أن تكون منهاج عمل لنا جميعا.. وهو الحصول على رضا الله سبحانه وتعالي.. انظروا إلى عظمة رسولنا صلى الله عليه وسلم.. وهو فى أشد وأقسى أنواع الظلم والاحباط والعذاب والقسوة.. والنكران والجحود.. لا يطلب شيئا سوى رضا الله سبحانه.. وأعتقد أن هذا الرضا هو أعلى درجات الإيمان.. وهذه رسالة من رسول الحق صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوي.. إنما هو وحى يوحى إليه.. ويعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة وحيداً.. كما خرج منها.. وعرفت قريش ما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم من إيذاء أهل الطائف.. فازدادوا إيذاء له ومن معه.. أمام كل هذه القسوة.. يتلقى رسول الحق صلى الله عليه وسلم.. أكبر حفاوة يمكن أن تحدث لمخلوق.. وكأن الحق سبحانه وتعالى يؤكد لرسوله صلى الله عليه وسلم.. أنه إذا كان أهل الأرض يتنكرون له.. فإن أهل السماء وملكوتها يحتفلون ويرحبون به.. وأن الحق سبحانه وتعالى يفتح له أبواب السماء.. وفى ليلة 27 رجب سنة 621 ميلادية.. وبالتحديد ما بين السنة الحادية عشرة إلى الثانية عشرة من البعثة النبوية.. تجيء معجزة الاسراء والمعراج.. وهنا يقول فضيلة الشيخ متولى الشعراوي: إن الاسراء والمعراج خارجة عن نطاق قدرات البشر وفوق طاقة عقولهم.. لأن طاقة عقل الإنسان لا يمكن أن تدرك أسرار الفعل.. فالله سبحانه يفعل ما يشاء.. لا تحده قوانين.. فهو خالق القوانين.. ولا يحتاج إلى أسباب.. لأنه هو الذى أوجد الأسباب.. فهو ليس كمثله شئ.. كل مخلوقاته تخضع لمشيئته.. فآيات الله لا تخضع لقوانين الكون.. إلى هنا.. نأتى إلى فرض الصلاة بالأمر المباشر من الله سبحانه وتعالي.. إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.. فالصلاة هى الصلة بين السماء والأرض.. وبين العبد وربه.. أقول: إن الاسراء والمعراج فاقت كل المعجزات.. فقد أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصي.. وعرج به إلى سدرة المنتهي.. ورأى من آيات ربه الكبري.. وهى منزلة عالية جداً.. ليس فيها ما يحجب الرؤية.. وهكذا جاءت حفاوة السماء بخير البشر.. وبما يليق بخالق السماء والبشر.. صلوا على من بعثه الله رحمة للعالمين.. ورددوا معي: اللهم اكرمنا بعفوك ورضاك.