لماذا غابت ثقافة الاعتذار عن مجتمعنا؟ وهل الاعتذار عن الإساءة فى حق الغير عيب أو ضعف؟
لا يستطيع إنسان أن يدعى العصمة من الخطأ سواء فى حقوق الله أو حقوق العباد والخطيئة فى حق الله تستوجب الاستغفار والتوبة والخطأ فى حق البشر يستوجب الاعتذار.. والاعتراف بالخطأ والتجاوزات فى حق الغير والاعتذار عنه هو فضيلة ودليل على قوة الشخصية وأحد مظاهر الأخلاق النبيلة والثقة بالنفس ومن شيم الأقوياء الأنقياء ودليل الحكمة ونور البصيرة ودليل السعى لراحة الضمير واطمئنان النفس ولا يتمتع بهذا السلوك القويم وهو الاعتذار إلا من رزقه الله فطرة سوية خالية من كل كبرياء زائف ومن كل سلوك متعجرف يعبر عن غرور صاحبه وكل من يخطئ ولا يعترف بخطئه وتأخذه العزة بالإثم إنسان ضعيف.. للأسف الشديد تعانى المجتمعات الآن من غياب ثقافة الاعتذار عن الخطأ ولو كانت هذه الثقافة متأصلة فى مجتمعاتنا لساد الحب والترابط والتآلف بين الناس واختفت قضايا المشاجرات من المحاكم.
ولو كانت ثقافة الاعتذار موجودة على المستوى الدولى لاختفت الكثير من المشكلات والأزمات، فكم من بيوت خربت وأناس تشردوا وعداوات انتشرت ونفوس تحطمت، وكم من أشخاص دفعوا حياتهم ثمناً لعنادهم وإصرارهم على مواقف خاطئة.. وكم من أسر دفعت أثمانا باهظة لتهور بعض أفرادها نتيجة إساءاتهم للآخرين.. وكم من مشكلات ومشاجرات حدثت وتركت أثراً سيئاً على المجتمع أمنياً واقتصادياً.. وكم من معارك نشبت بين أسر وعآئلات بسبب سلوك طفل أو شاب مراهق.. وكم من جرائم ثأر حدثت بسبب رفض الاعتذار والإصرار على الانتقام تحت شعار الكرامة والهيبة.
وكم من دول دفعت ومازالت تدفع من دماء مواطنيها ومن خيراتها أثماناً باهظة بسبب حماقات وجرائم وأفكار ومؤامرات ومخططات شيطانية من بعض القائمين عليها وهو ما نشاهده فى كثير من النزاعات والصراعات بين بعض الدول نتيجة تجاوزات لم تعالج بالحكمة المطلوبة لحماية الأوطان وحقن دماء أبنائها واستقرار شعوبها.. فمن عرف خطأه واعتذر عنه فهو كبير فى نفسه وأمام الآخرين قال صلى الله عليه وسلم «كل ابن آدم خطاء وخير الخطآئين التوابون».
وهذا نبى الله نوح عليه السلام اعتذر لربه تعالى فى سؤاله النجاة لولده الذى لم يكن مؤمنا «قال رب إنى أعوذ بك أن أسالك ما ليس لى به علم وإلا تغفر لى وترحمنى أكن من الخاسرين».
ومن المروءة وكرم النفس أن يقبل الكريم اعتذار المخطئ فهؤلاء اخوة يوسف حين عرفوه وتذكروا ذنبهم قالوا معتذرين «لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين» فقبل اعتذارهم وأقال عثرتهم.
وكما أن الاعتذار واجب فإن قبول الاعتذار والصفح أوجب لأنه خُلق الكرماء والنبلاء فالخطأ مع الله سبحانه وتعالى هو أعظم الأخطاء ومع ذلك يقابله استغفار وتوبة ولا يزال الله يغفر ويقبل توبة العبد مالم يغرغر.
<< خلاصة القول:
نحن فى أشد الاحتياج إلى ثقافة الاعتذار عن الخطأ بكلمة واحدة «أنا آسف» أو»حقك عليا» فهى تطفئ نار الفتن وتشيع روح التسامح والرحمة والعفو عند المقدرة فتقوى العلاقات وتذيب الاحقاد والخلافات وتحمى مجتمعنا من الأزمات والمشكلات التى تصدرها نفوس مشحونة بالغضب والرغبة فى الانتقام ويعيش الناس كل الناس فى حب ومودة وتراحم وتكون عباداتنا متماشية مع معاملاتنا وأفعالنا مع بعضنا البعض.
< كما أن الإنسان السوى هو الذى يقبل أعذار الآخرين ويتسلح بخلق العفو عند المقدرة والتسامح والصفح الجميل لأن العفو عن المسيئ يجعل المجتمع هادئاً ويحول الكره إلى محبة والعدو إلى صديق وتنطفئ نار الكراهية وتذوب النزعة العدوانية بين المتخاصمين.