نسمع كثيرا ونستخدم مصطلح «استراتيجية» ونعلم جميعا مدلوله فى سياقات مختلفة بأنه يتضمن «العناوين الكبري» و»الخطوط العريضة» و»الأفكار العظيمة»، وعندما نقرأ هذا المصطلح فى سطر أو عبارة أو مقال نعرف يقينا أننا قبالة السماء فى أعلى نقاط الرؤية وبيدنا التليسكوب كى نرى أبعد نقطة فى سياق الصورة الموحدة، هنا لا نعبأ بالتفاصيل لكننا نبحث عن الصور الكلية التى تشكل فيما بينها رؤية تامة نطلق عليها «الرؤى الاستراتيجية» وكذلك أيضا حينما نستمع إلى أحد المتحدثين وهو يشرح لنا استراتيجية ما فى شأن ما لا ننتظر منه تفاصيل – أية تفاصيل – وإنما خطوط عريضة ورؤى كلية أقرب إلى الطموحات والأحلام القابلة للتحقيق ، وهنا أعرض عددا من التعريفات الكلاسيكية المختلفة لمصطلح « الاستراتيجية « فقد عرف «كلاوتز» الإستراتيجية بأنها «فن استخدام المعارك كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب» وعرفها «مولتكه» بأنها «إجراء الملاءمة العملية للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد للوصول إلى الهدف المطلوب» بينما عرفها «ليدل هارت» بأنها «فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق هدف السياسة» أما «بالت» فقال بأنه «فن تعبئة وتوجيه موارد الأمة أو مجموعة من الأمم بما فيها القوات المسلحة لدعم وحماية مصالحها من أعدائها الفعليين أو المحتملين» فى حين يعرفها الجنرال «أندريه بوفر» بأنها «فن حوار الإرادات تستخدم القوة لحل خلافاتها»، وبعد التطورات المذهلة التى يشهدها العالم الآن فى عصر الذكاء الاصطناعى وسيادة الأنظمة التكنولوجية التى باتت تحكم وتتحكم فى كل شيء الوضع بات مختلفا إلى حد كبير، والحقيقة أننى لا اكتب ما اكتبه هنا اليوم من أجل إضافة تعريف جديد لمفهوم الاستراتيجية، لكننى أهدف إلى شيء أبسط كثيرا من ذلك.. واتساءل: أليست هناك استراتيجية واضحة ومعلنة للدولة المصرية ومشروعها الوطنى وجمهوريتها الجديدة – على الأقل خلال العشرية الحالية التى أسميها عشرية الإصلاح – ؟ بيد أن الاستراتيجية الكبرى التى اعلنتها الدولة والتى عبأت كافة الموارد من اجل تنفيذها هى باختصار»صناعة التقدم» ووضع مصر فى مكانها ومكانتها التى تستحقها، ومن أجل صناعة هذا التقدم كانت هناك خطط واستراتيجيات لبناء الإنسان وإعادة بناء الدولة وفق خطط معلنة للتعليم والصحة والبيئة والصناعة والتصدير والسياحة والاقتصاد الكلى والثقافة والقوى الناعمة وكافة مناحى الحياة، وهذا الإطار واضح للجميع وكل مسئول يعرف حدود حركته لتحقيق المطلوب وفقا لهذه الاستراتيجة، فكل وزير يأتى عليه أن يراعى إذن الاستراتيجية الموضوعة سلفا ويبدأ من حيث انتهى الوزير الذى سبقه وهكذا لا نضيع الوقت والجهد فيما لا يفيد، فالاستراتيجية للدولة وليست للوزير، لذلك لا أرى مبررا لكى يخرج علينا كل وزير ليبشرنا باستراتيجيته الجديدة فى نطاق عمل وزارته! وكأننا فى كل مرة ومع كل وزير جديد يجب ان يكون لدينا استراتيجية جديدة، هنا اتساءل: وماذا عن استراتيجية الوزير السابق والأسبق والتى طُرحت علينا وعرضناها على الرأى العام وبشرنا الناس بها؟ من هنا أطالب – دون أن يغضب أحد – كل وزير بأن يتحرك فى إطار استراتيجية الدولة المعلنة والتى بدأت قبل مجيئة مع سابقيه ولا يشغل وقته ووقت الناس بصياغات جديدة لنفس الاستراتيجيات، فالناس تنتظر نتائج لا استراتيجيات وخططاً وبرامج فقط، الناس – ونحن معهم ومنهم – تنتظر تغييراً فى الأداء يؤدى إلى تغيير فى النتائج يلمسها الجميع، أطالب لجان المتابعة فى مجلس الوزراء بالتدقيق فى تصريحات المسؤولين التى تتحدث عن استراتيجيات جديدة وخطط جديدة وتوافق جديد ، يا سادة لا نريد أن ننتهى إلى «صب الزيت القديم فى قنان جديدة» لدى الكثير من الأمثلة والنماذج التى تؤكد هذه الفكرة لكن لا أريد أن أبدد المفاهيم والأفكار فيما لا يفيد، فلا يعقل أن يخرج علينا وزير يبشرنا باستراتيجية جديدة تحل محل القديمة التى كنا نصفق لها ونشرحها للناس، هنا – والله على ما أقول شهيد – لا أبحث فقط عن مصداقيتنا الإعلامية والصحفية وهى حق لنا وواجب علينا بقدر ما أبحث عن صورة الحكومة أمام الناس وما يحقق مشروعنا الوطنى فى صناعة التقدم.