الحرب على التطرف والتشدد والإرهاب لم تنته ومستمرة، وتحظى باهتمام كبير، وهو ما بدا فى تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى للحكومة الحالية برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى والحقيقة أن السنوات الماضية شهدت نجاحات كبيرة فى هذه المواجهة، حتى لا نبخس الناس حقهم، فقد تم تطهير المنابر من المتشددين والمتطرفين والمتاجرين بالدين والجهلاء، والذين لا يملكون الجدارة والأهلية العلمية والدينية لاعتلاء المنابر أو الحديث فى أمور الدين وإعادة التوازن والانضباط وإعداد القاعدة للانطلاق نحو تحقيق معدلات أكثر فى بناء الوعى الديني، وتصحيح الكثير من المفاهيم، والاهتمام بضبط منظومة الأخلاق، وبناء الشخصية المنفتحة والوسطية والتى تتسم برحابة الأفق والميل إلى الحوار والنقاش برحابة صدر، وعلم وبناء الشخصية، وهى أمور تحدث عنها الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف الحالى خلفاً للدكتور محمد مختار جمعة وكلاهما من العلماء البارزين.
فى اعتقادى أن الدكتور الأزهرى يعى جيداً، ويلم بأهم التحديات التى تواجه عمل الوزارة، ومتطلبات المرحلة الحالية والقادمة، وحديثه يجب أن ينضوى على آليات واضحة لتنفيذ أهدافه، لتحقيق بناء الوعى الديني، والرشد والاعتدال، وتعظيم أساليب التفكير العاقلة، وفتح آفاق الحوار، وبناء الشخصية والأخلاق والضمير والوازع الديني، وأيضاً المواجهة فى أمرين كالتالي:
أولاً: التصدى لمحاولات المتاجرة بالدين وأيضاً محاولات الانحراف به عن مساره وأهدافه النبيلة، ومجابهة محاولات تزييف الوعى الديني، ونشر التطرف والتشدد، وكذلك تعظيم قيمة التعاليم الدينية لدى المواطنين خاصة الصغار والشباب لأنهم عماد المستقبل، والرصد الحقيقى لما يدور فى الواقع من ظواهر سلبية مثل الجشع والاحتكار، والمغالاة والغش وكذلك بعض الجرائم العنيفة والتعصب والانغلاق ووضع روشتة علاج دينية تعتمد على البساطة، والحوار، وروعة الإلقاء والتواصل. والأسلوب الشيق الذى يلفت الانتباه، ويجذب التركيز.
ثانياً: مجابهة الحرب على الدين من قبل بعض الجهلاء وأنصاف المتعلمين، أو من غزو ثقافى مكثف ودعوات مشبوهة، للتشكيك فى الثوابت الدينية، خاصة السنة النبوية، وواجه الدكتور الأزهرى هذا الأمر من قبل من خلال مناظرات تليفزيونية والحقيقة أنه تفوق بشكل كبير بهدوء وثقة وعلم، فالدولة المصرية تولى اهتماماً كبيراً بالمؤسسات الدينية، وتعمل على الحفاظ على الدين الوسطى والاعتدال، لذلك تؤكد على أهمية تجديد الخطاب الدينى دون المساس بالثوابت الدكتور أسامة الأزهرى يجب أن يعى ويدرك أن أمامه تحديات كثيرة، عليه أن يضع علاجاً سريعاً لبعض الثغرات ونقاط الضعف، كالتالي:
> من الواضح أن هناك نقصاً فى خطباء الجمعة، لذلك تبدو فى أحيان كثيرة، الخطبة ضعيفة فى محتواها، وأسلوب إلقائها وعدم وجود تشويق بسبب ضعف خطيب الجمعة وتقليديته رغم أن خطبة الجمعة هى أعظم منصة جماهيرية على الإطلاق يمكن استثمارها فى بناء الوعى الدينى والعام، لذلك من المهم التركيز فى قدرات الخطيب ومحتوى الخطبة، ومدى جذب عقول المصلين، لكن الاستعانة بخطباء يقرءون من ورقة وكتب ربما من عقود ماضية لم تعد تناسب ما نعيشه من تحديات.
> ربما يمكن الاستعانة بخطباء من خارج الأوقاف بشكل أكثر دقة، وموضوعية، واختيار النماذج صاحبة العلم والقدرة على الخطاب، وجذب الناس، من كليات هى الأقرب مثل اللغة العربية، ودار العلوم، أو غيرهم، وتعقد لهم دورات تدريبية على أعلى مستوي، لأنه فى ظنى أن خطبة الجمعة ذات أهمية بالغة.. وإذا توفرت مقومات المحتوى القوي، والخطيب القادر فإننى أطالب بزيادة زمنها بما لا تزيد على نصف ساعة.
> تلاميذ المدارس يشكلون فرصة عظيمة لبناء الوعى الدينى منذ الصغر، لذلك أرى أهمية التنسيق بين وزارتى الأوقاف والتربية والتعليم لإعادة النظر فى حصص مادة الدين لتكون على يد أئمة الأوقاف والواعظات بها، وكذلك عقد ندوات دينية وهو أمر مهم يمكن نعتبره تطبيقاً لمقولة التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر ويمكن تطبيق ذلك بين التعليم العالى والأوقاف وحسناً فعل الدكتور الأزهرى فى الاستعانة بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتوظيف التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعى فى خدمة أهداف الوزارة فى بناء الوعى الدينى الصحيح ـ لكننى أجد فى الدكتور الأزهرى قدرة فائقة على فتح آفاق للحوار البناء فى كافة ربوع البلاد خاصة شبابها وجامعاتها، بما لديه من علم وهدوء واتزان وحكمة دون وجود أى خطوط، للاستماع إلى الناس بقلوب وعقول مفتوحة، والرد على تساؤلاتهم وهى فرص ثمينة لبناء جسور الثقة والوعى الدينى الحقيقى فى مرحلة بالغة الدقة، منظومة الحوار المجتمعى الدينى فرصة عظيمة لإيقاظ وبناء الضمائر من منظور دينى وهو أكثر تأثيراً وبشكل علمى من صحيح الدين وتفكيك الأفكار الخبيثة التى روجت لها جماعات الظلام وعليه أن يختار مجموعة من العلماء بنفس مواصفات الدكتور الأزهرى من علم وقدرة على الحوار واتساع للأفق وبوجه باسم، وصدر منشرح وشخصية جاذبة وليست متجهمة، أقرب للحوار بين الأسرة الواحدة، فيها البساطة والود، والاحترام، والاحتواء. وتشخيص أن مقومات النجاح لدى الدكتور الأزهرى فى هذا الإطار قوية وواعدة ويمكن لمصر أن تستفيد منها بشكل كبير.
> الابتعاد عن النمطية والتقليدية والرتابة أمر مطلوب للغاية وعلينا البحث عن أساليب ووسائل تتسق مع طبيعة شباب هذا العصر، أكثر تشويقاً وجذباً وتفاعلاً لأن قدرة «الإمام» على اختراق القلوب وجذب الانتباه، بداية ومفتاح النجاح، والترغيب وليس الترهيب، لأن الدين أمر جميل وعظيم، إعداد هذا النوع من الأئمة يحتاج إلى دقة الاختيار وكفاءة التدريب والتأهيل، فى لقاءات جماهيرية وشبابية تميل إلى البساطة.
> الاستخدام الصحيح، وبأفكار خلاقة للتكنولوجيا، والسوشيال ميديا والذكاء الاصطناعى وتطوير البرامج الإعلامية الدينية أمر ضروري، خاصة التركيز على التفاعل المباشر.. وأن نعكف على صياغة رسائل دينية من صحيح الدين لنشرها فى الأوقات المهمة إعلامياً وتليفزيونياً ذات نسب المشاهدة العالية تركز على بناء الضمائر، والارتقاء بالأخلاق والاعتدال والوسطية، والإنسانية والرحمة والتسامح والتكافل، من القرآن والسنة، فالإسلام زاخر بهذه القيم الإنسانية النبيلة التى تتعلق بحياة وتعاملات الناس، نحن الآن أمام البحث عن آليات قادرة على أرض الواقع على تحقيق أهدافنا والقدرة على الوصول إلى الناس بسهولة، وهو ما يستلزم تخطيطاً يستطيع تحقيق ذلك ورؤى ثاقبة، فعلماء الدين فى هذا التوقيت يحتاجون إلى تقريب المسافات مع الناس، والالتصاق بقضايا المجتمع وتحدياته، ووضع العلاج للمواجهة الصحيحة.
تحيا مصر