اختفى حذاء الوزير أثناء حفل الإفطار.. فأهداه البابا شنوده واحدًا جديدًا
ودعت مصر منذ أيام الدكتور محمد على محجوب وزير الأوقاف وعضو مجلس الشعب الأسبق – عن عمر 85 عامًا – بعد حياة علمية ومسيرة سياسية حافلة بالكثير من الجهد والعطاء والإنجازات.
أسعدنى الحظ أن أعرف الدكتور محجوب عن قرب، وأن التقيه سواء أثناء تواجده فى المنصب أو بعده فى لقاءات عامة وخاصة، ولعل أكثر من جذبنى إليه شخصيته البسيطة المتواضعة وابتسامته الصافية، وحفاوته الكبيرة بضيفه، وهذه سمات أصيلة لمسها فيه كل من تعامل مع الراحل الكريم.
فى قلب المواجهة
تولى الدكتور محجوب منصبه وزيرًا للأوقاف فى الحكومات التى شكلها الدكتور عاطف صدقى واستمرت لما يزيد عن 10 سنوات خلال الفترة من 11 نوفمبر 1986 وحتى 2 يناير 1996، وهى مرحلة شهدت مواجهات واسعة بين الدولة وجماعات الفكر المتطرف التى اغتالت الرئيس أنور السادات قبل ذلك التاريخ بخمسة أعوام فقط.
وهكذا وضعت الأقدار أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة عين شمس فى قلب «أتون» المواجهة المُشتعلة التى لم تكن تحتمل الإمساك بالعصا من المنتصف، فالانحياز للوطن وأهله واستقراره معادلة لا تقبل القسمة، والحياد فيها يعد خيانة ونكوص وخذلان عن شرف المواجهة.
بدأ الدكتور محجوب عمله بالوزارة بالمواجهة مع أصحاب الفكر المتطرف الذين شككوا فى كل شئ، ولم يتركوا شيئُا إلا وطالته سهام تطرفهم حتى ولو كان كيان الوطن نفسه. وضع أمامه هدفًا واضحًا وهو ضبط الخطاب الدينى فى مساجد وزارة الأوقاف وتأهيل الأئمة، وتسلح الدكتور محجوب فى حربه ضد الفكر المتطرف بالوسطية والسماحة والشجاعة والحزم، إضافة إلى ما تميزت به شخصيته من سعة العلم وحسن الخلق والتقوي. كما حرص فى ذات الوقت على التأكيد على نموذج التعايش الجميل، وإظهار ما يجمع قيادات المؤسستين الإسلامية والمسيحية من ود ومحبة.
اهتم الدكتور محمد على محجوب بتوظيف العلم فى خدمة المجتمع، واجتهد فى توظيف الفكر الدينى الوسطى الحقيقى للتعامل مع قضية «المواطنة» باعتبارها إحدى ركائز استقرار المجتمع، وخاض مواجهات فكرية كثيرة فند فيها بالحجة والبرهان والدليل دعاوى أصحاب الفكر الظلامى ممن أضمروا الشر لهذا البلد الأمين.
ولا أبالغ إن قلت إن الدكتور محجوب كان مهندس ضبط ِإيقاع العلاقات بين المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية فى مصر، وكانت له علاقة صداقة قوية بالبابا شنوده الثالث، وأشهد بحكم معرفتى بالرجلين ومتابعتى لهذا الملف عن قرب أن الدكتور محجوب نجح فى إذابة الكثير من جبال الجليد التى صنعها الوهم تارة، وأسهم فيها سوء الفهم تارة أخري، ونجح بشخصه المتسامح وابتسامته الصادقة النقية فى أن يجمع القيادات الدينية من الجانبين فى لقاءات قدمت للمجتمع المصرى الصورة التى يجب أن تكون بين أطيافه.
كان الدكتور محجوب هو منسق الزيارة الشهيرة التى قام بها الشيخ محمد متولى الشعراوى للبابا شنوده عقب عودته من رحلته العلاجية فى لندن سنة 1994، وهى الزيارة التى استمرت 3 ساعات تبادل فيها البابا والشيخ أجمل العبارات وتركت أثرها طيبًا على المجتمع المصري، ولم تخل من القفشات والدعابة بين القطبين الكبيرين، ومن ذلك عندما سأل الشيخ الشعراوى البابا شنوده عن آخر قصائده، فقال البابا ضاحكًا: «إنها القصيدة التى لم أكتبها بعد».. وأهداه البابا كتاب «انطلاق الروح».. وقام الدكتور محجوب بجهد كبير فى إعادة الكثير من الأوقاف القبطية للكنيسة.
لم تخل علاقة الدكتور محمد على محجوب والبابا شنوده من كثير المواقف الطريفة، ونذكر فى ذلك ما حدث عام 1994 حين كان الوزير مدعوًا لحفل إفطار الوحدة الوطنية الذى اعتاد البابا أن ينظمه للوزراء والمسئولين والشخصيات العامة فى شهر رمضان من كل عام، وكان البابا يخصص مكانًا فى الكاتدرائية لتأدية الصلوات.
هدية البابا
توجه الوزراء والأئمة ومعهم الدكتور محمد على محجوب لأداء صلاة المغرب، وبعد انتهاء الصلاة لم يجدوا حذاء الوزير.
– ولما علم البابا بما حدث، سأل الوزير: حضرتك بتلبس مقاس كام؟
– فرد عليه الوزير بالرفض
– ولما أصر البابا شنوده، قال له وزير الأوقاف: بالبس مقاس 42 يا سيدنا.
فذهب البابا بنفسه إلى مكتبه وكان به جميع أنواع الهدايا، وأخذ منه حذاءً جديدًا مقاس 42 وأعطاه هدية للوزير، ورغم العثور على حذاء الوزير فيما بعد إلا أن البابا شنوده أصر على تقديم الهدية.
رحم الله الدكتور محمد على محجوب .. العالم الجليل والسياسى القدير والمفكر الوسطى المعتدل.. وخالص العزاء لأسرته وكل محبيه.