زيارة وزيرالخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن الحالية للشرق الأوسط هى الزيارة الخامسة له منذ بدء الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة فى أكتوبر الماضي، غير أن نفس الزيارة تعد «أول» جولة للوزير الامريكى بالمنطقة عقب مشاركة الولايات المتحدة فى مقترح بخصوص وقف «ممتد» لإطلاق النار فى غزة، وهى أيضًا – أى الزيارة- تحمل دلالة «أول» متغير فى الموقف الرسمى الأمريكى تجاه الفلسطينيين منذ اشتعال هذه الحرب فى القطاع، لاسيما أنها تأتى فى ظل تصريحات أمريكية إيجابية حول أهمية تسهيل نفاذ المساعدات لسكان غزة، وما تردد عن أوامر بلينكن بمراجعة اعتراف الولايات المتحدة بفلسطين كدولة، وإمكانية قيام دولة فلسطينية» منزوعة السلاح».
حقيقة وقبل الدخول فى أسباب تغير الموقف الأمريكي، ولتبيان مدى هذا التغير فى الموقف الرسمي، فإنه لابد من استعادة أجواء زيارات بلينكن السابقة خاصة وأن الوزير الأمريكى أبدى تشددا كبيرا تجاه المقاومة الفلسطينية عقب عملية «طوفان الأقصي» وتحدث فى أول زيارة لتل أبيب بعد اشتعال الحرب الإسرائيلية على غزة عن» يهوديته» وقال «آنذاك»: إنه لم يأت لإسرائيل كونه وزيرًا لخارجية الولايات المتحدة فقط، ولكن بصفته «يهوديا فر جده من القتل»، وتحدث أيضا عن أن إدارة الكونجرس حريصة على تلبية احتياجات إسرائيل الدفاعية المتزايدة وأن الإدارة الأمريكية موجودة إلى جانب حكومة تل ابيب وانها لن تترك الإسرائليين وحدهم فى حربهم بغزة.
فى نفس الاتجاه الداعم لإسرائيل، جاءت بعض الإجراءات الأمريكية على الأرض بما فيها الزيارة التى قام بها الرئيس جو بايدن ووزير دفاعه لويد أوستن لتل أبيب كذلك توجيه حاملتى طائرات وقوة عسكرية بحرية غربية الى البحر المتوسط بالقرب من الموانيء الإسرائيلية، ثم التصريحات المتتالية حول تزويد واشنطن لإسرائيل بكافة أنواع الأسلحة التى تحتاجها فى الحرب ضد المقاومة الفلسطينية فى غزة، فهذه الإجراءات ساهمت وبشكل كبير فى شعور الإسرائيليين أنهم وبمساندة أمريكا فوق القانون الدولى الإنساني، وأن الكيان الصهيونى أقوى من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، كما ساهم الدعم الأمريكى فى إعطاء الإسرائيليين لأنفسهم الحق فى شن أكبر حرب إبادة فى القرن الـ 21 ضد السكان المدنيين فى قطاع غزة وفى إطالة زمن الحرب وبالتهديد بتوسيع نطاقها لتشمل أطراف أخرى بالمنطقة.
الحقيقة الثانية فى هذا السياق هى أن تطورات الأحداث فى قطاع غزة الفلسطينى والدعم الأمريكي- الغربى غير المحدود لإسرائيل، أكدا أن العالم يدار بطريقة عكسية من قبل الولايات المتحدة والتى تورطت بدرجة كبيرة فى الجرائم الشنيعة وغير الإنسانية التى يرتكبها جيش الإحتلال الإسرائيلى ضد المدنيين العزل فى غزة، أيضا فإن هذه التطورات أوحت بأن النظام العالمى الذى تديره الولايات المتحدة هو وبكل المقاييس «ضد النظام وضد استقرار المنطقة والعالم» ومع الفوضى والتطرف والإرهاب، وأنه يضمن « فقط» أمن إسرائيل ،على حساب أمن الشرق الأوسط كلية والشعوب العربية بالتحديد.
ثالث الحقائق التى يجب الإشارة إليها هى أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة جاءت هذه المرة، فى إطار توريط مصر والحاق المزيد من الخسائر باقتصادها، والدليل على ذلك أن هناك سبعة حروب أشعلتها إسرائيل ضد قطاع غزة خلال العقود الماضية منها خمسة حروب «الأخيرة منها»، فى فترات تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة، وانتهت كل الحروب السابقة خلال أسابيع قليلة، بينما الحرب المشتعلة حاليًا طالت أكثر مما هو متوقع وتجاوزت شهرها الرابع، كما أنها تسببت فى امتداد الصراع إلى البحر الأحمر وتأثر الملاحة بقناة السويس، فضلاً عن أن الحرب فى غزة أعادت مؤشرات تنفيذ مخططات صهيونية قديمة تستهدف التهجير القسرى لسكان غزة وتصفية القضية الفلسطينية.
نعود لزيارة أو جولة وزير الخارجية الأمريكى بلينكن الخامسة للمنطقة عقب اشتعال الحرب الإسرائيلية على غزة، وهى توحى هذه المرة بأن الولايات المتحدة استوعبت مؤخرًا صحة الموقف المصرى وصدق وموضوعية كل ما نادت به مصر منذ اللحظة الأولى لاشتعال الحرب فى أكتوبر الماضي، بأن القضاء على المقاومة الفلسطينية فى غزة لن يتحقق بتدمير القطاع أو بتهجير الفلسطينيين أو بتصفية القضية ولكن بالمساعدة على وقف الحرب والعودة للمفاوضات وقيام دولة فلسطينية، وهو الكلام الذى بدأ يتردد مؤخرًا على ألسنة بلينكن ومسئولين أمريكيين آخرين، فيما تبقى بعض التساؤلات وهي: هل هذا الكلام يأتى فى ظل الاستعداد لخوض الرئيس بايدن الإنتخابات الرئاسية أم لأن واشنطن تخشى من اشتعال حرب شاملة فى الشرق الأوسط، أم لأن أمريكا تريد غسل يديها من الجرائم التى أرتكبتها وترتكبها إسرائيل بما فيها إنهيار السلام؟!!!.
وأخيرًا، فإن كل التساؤلات السابقة ستجيب عليها تطورات الأحداث فى غزة والأراضى الفلسطينية المحتلة خلال الأيام المقبلة.. فلننتظر.