فى القرآن الكريم آية معبّرة، عن حال أمّتنا اليوم «2024»، وعن حال الإرهابيين من الدواعش القدامى «جماعة الإخوان» والجدد «القاعدة والنصرة وداعش ومن شابههم» كثيراً ما أتوقّف أمامها، متأمّلاً دلالاتها خاصة أنها نزلت فى المنافقين من المنتسبين زورا إلى الإسلام وكان بعضهم يحيط بالنبى «ص»، مدّعياً أنه صحابي، وهو ليس سوى منافق عتيد، فنزلت عدّة آيات لتكشفهم وتفضح نفاقهم ودورهم التخريبى فى دولة الإسلام الناشئة، ومنها هذه الآية الكريمة من سورة التوبة والتى يقول فيها الله جلّ جلاله «ومنهم مَن يقول إئذن لى ولا تفتني، ألا فى الفتنة سقطوا، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين» الآية 49.
>>>
فاليوم ونحن نتأمّل سياسات ومواقف أولئك الإرهابيين الملتحفين زيفا باسم الدين تجاه قضايا الأمّة، خاصة قضية فلسطين، والإبادة الإسرائيلية لقطاع غزة وكيف صمتوا بل بعضهم تآمر مع العدوان والبعض الآخر انشغل بتكفير الحكام وأصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى وكأنهم يقومون نيابة عن إسرائيل بتفكيك الأمة وزرع الفتن ونشرها فى المجتمع والفضاء الإلكترونى ولم يقدموا رصاصة «وهم أهل الرصاص والقتل وتاريخهم خير شاهد» أو معونة أو كلمة لصالح غزة بل فقط تفرغوا للفتن والهدم وتمزيق الأمة الإسلامية الواحدة.. هؤلاء فى فعلهم الزنيم هذا أشد خطرا على الإسلام والعرب وفلسطين من المشروع الصهيونى ذاته بل هم الوجه الآخر الحقيقى والقبيح له! لقد ساهم هؤلاء الدواعش ودعاتهم فى تضييع رسالة الإسلام المحمدى الداعى للوحدة الإسلامية والحاث على الاستنارة، لقد شاركوا – من خلال برامجهم ودعاويهم وتنظيماتهم – العدو الرئيسى للأمّة، العدو الصهيونى فى إشعال نيران الفتن والحروب المذهبية والسياسية، وعندما نتأمل أفعالهم تلك خاصة تجاه الدول المركزية فى المنطقة «مصر – سوريا – العراق – ليبيا» ساعتها نكتشف أن تلك الآية الكريمة نزلت فيهم، تماماً مثلما نزلت فى أجدادهم السابقين، فى عهد النبى وصحابته المُنتجبين».
>>>
إن هؤلاء الداعين للفوضى والفتنة فى بلادنا حيث يهتمون بـ «فتنة السنة والشيعة.. مثلا» أكثر من اهتمامهم وانشغالهم بـ «فتنة العدوان الإسرائيلى على غزة».. هؤلاء هم أنفسهم الذين نعتهم القرآن الكريم بقوله «ألا فى الفتنة سقطوا»، بل هم لم يكتفوا بالسقوط فحسب، بل قاموا بتقاسم تلك القتن، صناعة وترويجاً وتوظيفاً مع الكيان الصهيونى خدمة لإستراتيجية غربية واحدة كلاهما يعمل فيها، هذا الأمر يدفعنا إلى التعمّق فى النظر قليلاً، لنكتشف أن أحد أبرز القواسم المشتركة بين تلك «التنظيمات الإرهابية ودعاتها المتسلفين» والكيان الصهيوني، هو نشر الفتن المذهبية والطائفية بين أبناء المنطقة ولعلّ ما قامت به منظومة الدواعش القدامى والجدد ومعها إسرائيل وأمريكا فى زمن الربيع العربى «2011- 2024» فى بلادنا العربية، خلال سنوات الربيع الزائف هذا، ما يؤكّد ذلك، ويدعونا إلى الانتباه جيدا لخطابهم الإعلامى المجرم وإلى خلاياهم النائمة التى لا تستيقظ إلا فى أجواء الفتن والخراب.. فكل دعاة فتنة مذهبية هم دعاة خراب وفوضى مهما التحفوا برايات زائفة تدعى الدفاع عن الإسلام الذى هو براء منهم ومن سمومهم الدعوية الشاذة!.
>>>
هذا ويحدّثنا التاريخ على سبيل المثال أن كلاً من هؤلاء الدواعش والكيان الصهيونى تميّز بالعنصرية تجاه المنطقة العربية والإسلامية المحيطة بهم، وامتد الأمر العنصرى عند «الدواعش العرب» إلى تكفير أهل البلاد العربية المركزية وأنه لا يوجد مسلم سواهم ولقد شاهدنا ولمسنا عن قرب دعاويهم التكفيرية تلك فى سيناء وسوريا والعراق وليبيا وغيرها من البلاد العربية زمن الربيع العربي.. ولا يزالون يمارسون ذات الوظيفة الاستعمارية فى التفريق والتكفير فى ذات البلاد وإن كان الأمر يتم ببطء وفى سرية وتحت لافتات مضللة مثل «الدفاع عن المذهب!» إلا أن هدفهم التخريبى والإرهابى التكفيرى شديد الوضوح! نفس الأمر يمارسه الكيان الإسرائيلى حتى على الجماعات اليهودية المكونة له.. حيث نجد فى الداخل الإسرائيلى على سبيل المثال تمايزاً بين اليهود أنفسهم حيث يتصدّر يهود أوروبا المقام الأول لأنهم القلّة المختارة والصفوة صاحبة المشروع منذ بدايته ويأتى اليهود ذو الأصول الشرقية و»الفالاشا» وحتى اليهود الروس القادمون بعد إتمام المشروع فى مراتب متدنيّة، ويشكّل هؤلاء حلقات تعانى من التمييز والدونيّة التى تعبّر عن ذاتها فى الإقصاء والابتعاد عن دوائر صنع القرار السياسى والاقتصادي.
ويبقى عرب 1948 داخل الخط الأخضر نموذجاً صارخاً على عنصرية الكيان الصهيونى وطائفيته وتمييزه على أساس العرق والدين، ولعلّ ما جرى مؤخراً من تمييز فاضح ضدّ الدروز الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية ما يؤكّد تلك النزعة العنصرية تجاه مكوّنات هذا الكيان من غير اليهود، والذى كرّسه أكثر قانون يهودية الدولة والذى أصدرته إسرائيل فى شهر تموز/ يوليو 2018، وأثار فى حينها ردود فعل واسعة.
هذا التشابه فى العنصرية المذهبية وروحية العداء للمذاهب والطوائف الأخرى ونشر القتل وثقافة الكراهية هو الرابط المشترك بين الدواعش القدامى والجدد وبين الكيان الصهيوني، وهو تشابه فى الوظيفة.. ساهم فى حَرف البوصلة ردحاً من الزمن بعيداً عن القضايا الرئيسية للأمّة وفى مقدّمها قضية فلسطين.
ونحسب أن هذا الصراع المذهبى المُفتَعل ونشر الاشاعات والفوضي.. سيستمر، إلا إذا استفاقت نخبتنا الدينية والإعلامية المستنيرة كاشفة وبشجاعة حقيقة أن العدو الوحيد والمشترك، والمستفيد من هكذا صراع هو فقط العدو الخارجى وأن إسرائيل فى حربها العدوانية على غزة منذ عشرة أشهر هى أكبر المستفيدين من هذه الفتن وتلك الفوضى التى يبشرنا بها الدواعش!، وعلى عقلاء الأمّة فى تلك البلاد التى يتشارك ويتفق فيها الآن دعاة الفتن وثقافة الكراهية مع إسرائيل فى الهدف والوظيفة.. أن يكشفوا هذا «الحلف» ويقاوموه.. بكل السبل ولو بالكلمة وهذا أضعف الإيمان، الإيمان الصحيح بالإسلام المحمدى الأصيل! والله أعلم.