أكد د. سعد الدين هلالى المفكر الإسلامى وأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن ثورة 30 يونيو أنقذت العالم وليس مصر فقط من مصير شديد الظلام على يد جماعات التطرف والإرهاب.. موضحاً فى حواره لـ «الجمهورية» أن جماعة الإخوان الإرهابية أساءوا إلى الإسلام أكبر إساءة فى تاريخ عقيدة التسامح.. مشدداً فى حواره أن 30 يونيو يوم من أيام الله تعالى حيث أعز الله جنده وهزم رؤوس التطرف.. معلناً أن المصريين عندما خرجوا فى 30 يونيو كان وراءهم جيش يحمى إرادتهم.. وتطرق د. هلالى فى حواره لـ «الجمهورية» لقضايا الخطاب الدينى وحاجته إلى الوصول لمستوى الخطاب الإنساني.. نافياً انتساب فتوى إلى الدين موضحاً أن جميع الفتاوى تنسب إلى أصحابها.
> كيف ترون مستقبل مصر قبل ثورة 30 يونيو؟
>> إن ثورة 30 يونيو أنقذت العالم وليس مصر ولا المنطقة العربية فقط من مصير مأزموم ومستقبل شديد الظلام بسبب سيطرة عناصر التطرف والإرهاب والتشدد على مفردات الخطاب الديني، مما جعلهم ينقلونه من دائرة كونه خطابا مليئاً بالرحمة والمودة والتسامح إلى خطاب ملئ بالعنف والكراهية والتحزب والتطاول، فقد أساء عناصر الجماعة الإرهابية خلال العام الذى حكموا فيه مصر إلى الإسلام أكبر إساءة لن يمحوها التاريخ حيث أظهروا الإسلام فى صورة دين يكره الحياة والأحياء ويعادى الإنسانية بصورتها المتسامحة، وأضم صوتى للقائلين بأن 30 يونيو يوم من أيام الله تعالى حيث أعز الله جنده وهزم رأس التطرف والإرهاب، ولكن رغم قطع الرأس فإن الذيل يبث سمومه فى أرجاء المعمورة عبر تنظيمات منحرفة تعيث فى الأرض فسادا وتحرق الأخضر واليابس وتهريق دماء الآمنين، وقبل إعلان المصريين تمردهم على تلك الجماعة الإرهابية كان دخان أفكارهم يحجب سحاب السماء، وأيقن بعض أصحاب النفس القصير أن الموضوع قد انتهى لكن الشباب والعقلاء من الوطنيين كان لهم رأى قاطع فى استعادة وطنهم المسلوب وتسامحهم المنهوب ووطنيتهم المفترى عليها، ولم يخش المصريون تهديدات تلك الجماعة المنحرفة ليقينهم أن وراءهم جيشاً وطنياً لن يسمح لأحد بالمساس بأمن مصري، خرج مدافعاً عن دينه ووطنه، وأعلن المصريون حينها أنهم خرجوا ولن يرجعوا حتى يستعيدوا وطنهم، ورغم أن الثمن كان غالياً دفعه شرفاء الشباب وأبطال الجيش والشرطة إلا أن تلك الدماء لم تذهب هباءً منثوراً بل كان مقابلها حياة دين ووطن.
> كمتخصص فى الفقج كيف أساء المتشددون إلى حركة الفقه والفكر؟
>> كلمة أساءوا تعبير مخفف يحمل كثيراً من التهذيب، وإن شئت قلت لقد افسدوا الفقه والفكر، هل تتخيل أنهم وضعوا مناهج فقهية تخدم تطرفهم، لدرجة أن الدواعش حينما أقدموا على حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة استندوا فى تلك الجريمة على ما وصفوه بالفتوي، وحينما أقدموا على تخريب المنشآت العامة أطلقوا ألسنتهم بدعاوى الفتاوى التى تخدع البسطاء بسوء صنيعهم وفساد أقولهم، ولم يكن فسادهم للفكر أقل فى المستوى من فسادهم الفقهى حيث نشروا العنف اللفظى والسلوكى والعقائدي، ونذكر محاصرتهم الكاتدرائية المرقسية ومدينة الإنتاج الإعلامى ومسجد النور واحتلالهم الميادين العامة وترهيب الآمنين وتعذيبهم وحرق المنشآت العامة والتعليمية مثلما جرى فى جامعة الأزهر.
> ما أسوأ أسلحة التيارات الإرهابية فى السيطرة على العقول؟
>> التدليس والكذب ونشر الشائعات هى أسوأ تلك الأسلحة حيث يقومون بتخدير عقول اتباعهم بالأوهام المنسوجة بصورة شديدة الإحكام ويسيرون على منهجية مباديء النازية اكذب ثم اكذب حتى يُصَدقك الناس ولهذا فإنهم صنعوا أصناماً فكرية من بعض الشخوص الذين يأتمرون بمنهجهم فى تخدير البسطاء والشباب بأفكار مسمومة تجاه الأوطان والإنسان وكل ما يقف أمام طموحهم ناحية السلطة والاستيلاء على الحكم.
> دعنا ننتقل إلى مناقشة إشكالية الفقه والفتوى وأيهما أشمل من الآخر؟
>> الفقه باب أوسع من الفتوي، لأن الفقه يتضمن المظلة الشاملة لجميع الآراء التى نسميها فتوي، ويقوم المفتى بعرض هذه الآراء على المستفتى وهو السائل، ويترك له انتقاء أحد تلك الآراء بما يناسب حاله، وهذا أصل المعرفة الفقهية، ولنأخذ على سبيل المثال آية المداينة التى يأمرنا الله تعالى فيها بأن نكتب الديون حال إعطائها للغير، وهذه الديون قد تكون بسيطة تافهة أو ثمينة وغالية، والسؤال: هل الأمر بالكتابة على سبيل الوجوب أم الجواز أم الاستحباب؟ ، وسؤال آخر: هل المراد من الدين الثمين أم التافه، ولذلك فإن الأمر متروك لحرية واختيار الشخصين على أساس التراضى والثقة الكامنة بينهما، فلا يحق للمفتى أن يبطل المعاملات المالية بين الأشخاص لأنهما لم يقوما بكتابة الديون المؤجلة، وجميع ما ورد فى تلك المسألة اجتهادات لا يمكن الجزم بصحتها لأن كل اجتهاد له وجوه تدعمه من القبول العقلى والمنطقي، وبالتالى يجب على المفتى أن يترك الحرية فى الاختيار للشخص بعدما يعرض عليه كافة وجوه المسألة كاملة.
> هل معنى هذا أن الفتوى ليست جزءا من الدين؟
>> لا توجد فتوى تُنْسَبُ إلى الدين، جميع الفتاوى تنسب إلى أصحابها الذين اجتهدوا فى قولها، والفتوى فقه صاحبها، فإذا وصفنا الفتوى بأنها جزء من الدين صار العمل بها ملزماً، وعدم القيام بما ورد فيها مخالفاً لصحيح الدين، لكن الفتوى جهد بشرى واستنباط لما أدركه المجتهد من النصوص القرآنية أو السنة النبوية الصحيحة، وأكاد الجزم بأنه لا توجد فتوى تلزم الآخر إلا إذا تلقاها بالقبول فيرتاح لها فيقوم بتنفيذها.
> التيارات المتطرفة تتخذ إشكالية تغيير المنكر لتحقيق أهداف سياسية.. فهل تلك الإشكالية مباحة للشخص حينما يرى منكراً؟
>> بداية يجب تحديد مفهوم المنكر قبل أن نتطرق إلى بيان تلك الإشكالية، هل المنكر هو ما أنكره الشرع أم ما أنكره العرف أم ما أنكره الشخص، وهل هذا التغيير مقصور على المحيط الخاص بالإنسان فى أسرته أم يمتد إلى المجتمع، وهل الشخص الذى يسعى لتغيير المنكر يملك من الأدوات العاصمة له من الهوى حتى لا يصبح الموضوع خاضعا لعوامل الحب والكراهية؟، تلك الأسئلة تنقلنا إلى قضية المؤسسية التى سعى الإسلام إلى ترسيخها، فلم نسمع أن شخصا قام بنفسه بعمل عنترى بالعدوان على الغير بدعوى تغيير المنكر، فإذا وجدت امرأة ترتدى ملابس غير مناسبة هل تتعامل معها بيدك بدعوى أنها مخالفة للدين، هذا كلام غير مقبول لأن الذى له الحق فى التغيير هو القضاء أو القانون والمؤسسات الحكومية، ثم نأتى إلى تفسير ما هو المنكر، فالمنكر هو ما انكره الشرع، والشرع نفسه يقضى بأنه لا إكراه فى الدين، وأن الانسان له مطلق الحرية فى اختيار العقيدة طالما بلغ سن التكليف، لأن الشرع اختيار وليس إجباراً، إذن عندما نقول المعروف ما عرفه الشرع، يأتينا سؤال عن الشرع الذى نقصده، هل شرع المسلم أم شرع المسيحي، فالمسلم له شرع، والمسيحى له شرع، فالحلال والحرام أمر شخصى لأنهما فرع عن التدين، والتدين متعدد وليس أحاديا، وهذا يأخذنا إلى الإيمان بأن الفقه متعدد مثل التدين، وكما أن الاختيار للمكلف فى الدين فذات الاختيار ثابت له فى الآراء الفقهية، لذلك إذا جاء شخص يريد فرض رؤيته القاصرة ومفهومه المحدود على الغير بدعوى إقامة حدود الله، فإن هذا الشخص يجب أن تقيم عليه الدولة أقسى العقوبات وليس أقصاها، لأنه يعتدى على شريعة الله التى تعلن الحرية فى الاعتقاد للشخص، وهذا الفهم تسبب فى إراقة دماء الآمنين فى عمليات إرهابية على يد جماعات التطرف والإرهاب فى العقود السابقة درجة أن هناك جماعات تم تنظيمها تحت مسمى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، رغم أنهم كانوا يمارسون أعلى درجات المنكر.
> هل هناك فرق بين الفتوى العامة والخاصة؟
>> بالفعل الفرق موجود وثابت لكننا نغفل عنه أو نتغافل عنه، فالفتوى العامة تكون لولى الأمر وهو الحاكم الذى أمر الله تعالى بطاعته، ويقاس على الحاكم المؤسسات الرسمية التى يفوضها فى إلزام الناس بأمر من الأمور فى جانبى الفعل أو العدم، وما يصدر عنه يعتبر بمثابة فتوى عامة يجب على الأفراد الالتزام بها، أما عالم الدين فليس حاكماً وليست له ولاية إلا ولاية التعليم وتفقيه الناس، ويجب أن نضع عدة خطوط عريضة تحت كلمة تفقيه الناس، لأن البعض من الذين يقدمون الفتوى للناس يحاولون السطو على سلطة الحاكم فى إلزام الناس بمنهجية افعل ولا تفعل، رغم أن هذه مسئولية الحاكم، لذا أكرر أننا يجب علينا إنارة الطريق.
> هل نملك خطاباً دينياً كما نحب؟
>> يجب أن نسأل أنفسنا عن أهداف الخطاب الديني، حتى نقول بعدها: هل نملك خطاباً دينياً أم لا؟، الخطاب الدينى يهدف بناء شخصية المسلم كما يريدها الله تعالى وليس كما يريدها أصحاب النظريات الدينية الذين يريدون جعل الناس «تجارب لما يطرأ على أذهانهم وفق ما هداهم إليه فكرهم الثقافي»، ورغم بساطة القضية لكننا قمنا بتعقيد الأمور على أنفسنا بصورة أدت إلى الانحراف، وحينما أخبرنا الله تعالى أن «صراطه مستقيم» فى أكثر من آية من آيات القرآن الكريم بل إن سورة الفاتحة التى هى السبع المثانى والقرآن العظيم تتضمن دعاء المؤمنين ربهم ورجاءهم إياه أن يهيدهم الصراط المستقيم، هذا الصراط المستقيم هو أصل القضية الإنسانية التى جاءت بها الشرائع الإلهية والأديان السماوية، حيث اتفقت كلمتهم جميعاً على أن الآدمى بنيان الرب وذلك دون تفرقة بين بنى آدم بسبب عقيدة أو مذهب فكري، والجميع طالما كان ملتزماً بالآداب العامة والنظام الذى تقرره المجتمعات التى يعيش فيها لهم حقوق متساوية فى الاحترام والمحبة والتقدير والحرص على مصلحته ومعونته، ومراعاة مشاعره، ويمكن اختصار تلك المفردات كاملة بأن يكون الخطاب متسامحاً، وإذا قمنا بتحديد المعنى المستهدف من الخطاب الدينى ننتقل إلى واقع خطابنا وهل يدعو إلى التسامح أم به مفردات عدائية تحمل تجريح المخالفين فى العقائد والأفكار، وهل يترك خطابنا التخويف والترهيب وينتقل بنا إلى جانب الترغيب، وهل نترك الشعائر جانباً ونبحث عن الفضائل والأخلاق التى تتضمن التأكيد على بناء إنسان مستقيم فكرياً وأخلاقياً، وهذا ليس بمستغرب على منهجية دين جاء رسوله بالرحمة العامة للكون بما فيه من الإنسان والحيوان والحجر والشجر، رسول جاء بشريعة لا تعرف الإقصاء ولا العنف، ولنأخذ هذه المبادئ التى جاءت بها الشريعة وحاملها إلى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقوم بتنزيلها على الواقع المعاصر للخطاب الدينى وسنفاجأ بكارثة فعلياً من بعض المتصدرين للخطاب الديني، الذين لم يفهموا ألوان الخطاب الدينى ولم يفرقوا بين أنواعه.
> هل الخطاب ألوان وأنواع؟
>> الخطاب الدينى أحد أنواع الخطابات الموجودة فى الحياة، فهناك الخطاب العادى الموجود بين الناس وهو ألوان وأنواع، ويحكم هذا الخطاب العادى قاعدة: أن لكل مقام مقالاً، فما يصلح لأمر لا يصلح لآخر، وهناك الخطاب الثقافى وما يتضمنه من تنوع بين الأدب والشعر، وكذلك الخطاب الطبى بألوانه وأنواعه، لكن الخطاب الذى يخاطب أصحاب تلك الخطابات مجتمعة هو الخطاب الديني، لذلك يجب أن يكون لدى الخطيب الحصافة الذهنية فى التناول للقضايا، وفق آلية الزمان والمكان وأن يكون مدركاً بالواقع المحيط، والخطاب الدينى نوعان: خطاب نصي، وهو عبارة عن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، والنوع الثانى للخطاب الدينى هو ما يفهمه الفقيه والمفسر من تلك النصوص الثابتة، معتمداً على ما يملكه من مفاهيم ثقافية وفكرية، وذلك الخطاب بنوعيه النَصِّى أو المفهوم من النَّص يخاطبان مجتمعاً فيه تنوع عقائدي، وهذا ما يجب أن يدركه الخطباء ناقلو الخطاب الدينى حتى يكون خطابهم يليق بإسماع المسلمين وغيرهم، مناقشا الإنسان من جانب كونه إنساناً فقط، دون خوض فى العقائد وأن يكون محور ذلك الخطاب التركيز على الجوانب الإنسانية المشتركة وأن يكون واقعياً فاعلاً.
وأتمنى أن يرتكز الحوار الوطنى على مناقشة آليات الخطاب الدينى الفاعل بحيث يكون خطاباً يليق بدولة الـ30 من يونيو دون مساس بالاختيار الدينى فترة السنوات العشر الأخيرة منذ قيام ثورة الـ30 من يونيو شهدت يقظة فى الوعى ومتقدمة بصورة كبيرة بعدما شهدنا أياماً سوداء على يد الظلاميين الذين كانوا يريدون اختطاف مصر بخطابها الدينى وفكرها الثقافى وتراثها الاجتماعى وقوتها الناعمة وكانوا سيذهبون بها إلى أفكار ما قبل التاريخ، ولا أكون مبالغاً بأن مصر كانت «رايحة فى داهية» حقيقة لو استمر هؤلاء فى أماكنهم عاماً آخر ولا أقول 4 أعوام، فهم جاءوا إلى مجتمع يؤمن بأن الكنيسة بيت من بيوت الله تعالي، وكانت هناك قنوات تصف نفسها بالدينية وهى وظيفتها زرع الفتن والألغام داخل المجتمع المصرى ومحاكمة الناس باسم الدين بل محاكمة المرأة بدعوى الخروج عن المجتمع، ملف الدين اقحمنا أنفسنا فيه عدواناً على الله لأن الله تعالى أمرنا أن نرفع أيدينا عن الدين لأن الدين كله لله، ولما الدين كله لله فهل يمكن لأحد أن يعلن وصياته على الدين وحامى للدين وحارس للعقيدة مثلما كان يردد ذلك الشعار الشيخ كشك، والأمر ببساطة أن الذى يحمى الدين ويحرسه هو الذى أنزل الدين وشَرع الدين، «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم» لا يوجد بشر من أول أبوبكر الصديق حتى عصرنا الحاضر إلا وحديثه فقهى وليس دينيا، فأبوبكر الصديق عندما سئل عن الكلالة قال فيها كلاما أعقبه بقوله: إن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمن نفسي، وكذلك ما يقوله المفتون وأئمة المساجد عبارة عن آراء شخصية غير قابلة للإلزام على الغير، وهذا الرأى لا يحمل القداسة بل يقبل الصواب والخطأ مصر هى التى كشفت الإخوان للعالم وأظهرت حقيقتهم التدميرية التى كانت ستحمل العالم إلى الهاوية.
> ما أفضل طريقة لتجديد الخطاب الديني؟
>> أفضل طريقة للتجديد تحول أصحاب الخطاب الدينى لوظيفتهم الحقيقية فى التعليم والبيان والتذكير، وإعطاء السيادة للسائل لانتقاء أفضل وأجمل الآراء الفقهية تصديقا لقول الله تعالي: «فذَّكِر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر»، بما يؤكد أن أصحاب الخطاب الدينى لا يحشدون الناس لخطابهم ولا يجتهدون لإدخالهم فى زمرتهم إنما يشرحون للناس أحكام الله فى المسألة أو القضية التى يعرضونها عليهم، وأن يكون البيان مجرداً دون محاولة ترجيح أمر على آخر، ويتركوا للسائل أن يختار بما يناسبه حاله ومقامه.
> كثيرون يعارضون آراءك ويعتبرونها وجهة نظر شخصية؟
>> أنا مجرد نذير متجرد عن الهوى والغرض ليست لى مطامع ولا أغراض ولذلك فأنا أرفض محاولات المتحدثين فى الخطاب الدينى التأثير على الناس بغرض الإيمان بما يقولون ورفض أى رأى غيره، متجاهلين أن كتاب الله يريد منهم تنوير السائلين ليتخذوا القرار الذى سيتحملون مسئوليته، وقد حسمت سورة الأعراف تلك القضية الخلافية فى الخطاب الدينى وخاصية الحشد والتجنيد، التى يهدف من خلالها أصحاب الآراء الفقهية جمع الناس على كلامهم بدعوى أنهم يظهرون مراد الله فى المسألة التى يتحدثون فيها، ولكنى اسألهم عمن أعلمهم بأن قولهم يعكس حقيقة مراد الله تعالي، كما يبررون تلك الممارسات فى الحشد والتجنيد لمفاهيمهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يَهْدِيِ اللهُ بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» ولا يخبروننا إذا كان قولهم يحمل الهداية المطلقة أم أنه قابل للأخذ والرد من المتلقي، إننى مؤمن بإظهار الحقيقة ولن ابخل بها حتى يعود الخطاب الدينى على طريقه المستقيم.
> هل تؤمن بالتخصص فى مجال الدعوة؟
>> خريجو الأزهر منهم دارس اللغة العربية والشريعة وأصول الدين والدعوة الإسلامية والدراسات الإسلامية وهذه هى الكليات الست التى يتخرج فيها المنضمون للعمل فى مجال الدعوة التى لها احتكاك رسمى بالخطاب الديني، سواء فى جانب التربية أو التعليم، ويجب العلم بأن الدراسة فى تلك الكليات الست تختلف تماماً عن الأخري، والروابط الدراسية مجرد قشور ليست عميقة، وعلى الجانب المقابل فإن العالم كله يؤمن إيمانا لا يقبل الشك بالتخصص، ولا يزال أصحاب الخطاب الدينى يقدمون أنفسهم للجماهير بوصف يبدو منه إلمامهم بقضايا الميراث، والعقيدة، والتفسير والحديث، وهنا يجب أن يعرف الجماهير تخصص المتحدثين فى الخطاب الدينى حتى لا ينخدعوا عند سؤالهم ليكون سؤالهم على بينة، فليس منطقياً أن يعرض شخص على خريج اللغة العربية مسألة ميراث أو طلاق أو غير ذلك من الدقائق الفقهية.
> متى يصبح عندنا حصانة ضد الأفكار المتطرفة؟
>> للأسف عندنا صراع بين التراث والحداثة المعرفية، وعلى سبيل المثال التيارات السلفية يرددون مقولة الإمام مالك: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ويقابل ذلك نظرية تدعو إلى التراكم المعرفى والإفادة من آليات التقدم الحديثة، بينما ينظر السلفيون إلى كل محدثة بأنها بدعة، وعلى سبيل المثال يرون الاحتفال بعيد الأم حراماً، وتهنئة غير المسلمين حرام، وأن أهل الذمة ليسوا شركاء فى الوطن وليس من حقهم تولى الوظائف القضائية فى الدولة، أو الالتحاق بالجيش أو الشرطة، وأن المرأة لا تتولى عملاً عاماً، ولا تتولى القضاء، وهؤلاء وراءهم أجندات خارجية تدعمهم طمعاً فى توحشهم ونشر ثقافتهم الرجعية المنتسبة للدين على سبيل الخطأ.
> البعض ينادى بالمساواة بين الرجل والمرأة فى الإرث؟
>> يوجد فرق بين الإرث كحق والإرث كواجب المسألة تتعلق بتوافق الناس ورضاهم، وهذا ما يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة للتجديد والإبداع، ويجعلنا نسأل هل الأنصبة التى فرضها الله فى كتابه فريضة مُحكمة لا يجوز الخروج أو التنازل عنها؟ والأخ يأخذ ضعف الأخت، فماذا لو تنازل الأخ لأخته، هل تأكل حرامًا؟ والله عز وجل يستخدم فى كل آيات المواريث بلا استثناء حرف «لام» الملكية، حتى يعلم الناس أن «الميراث حق وليس واجباً»، يستطيع كل منهم أن يقرر ماذا يفعل فى حقه، كما يمكن التسوية بالتراضي، وذلك دون الحاجة إلى وصى أو فقيه، فإذا تفهم الناس أن الميراث حق لهم، ومن حق صاحبه أن يتصرف فيه كما يشاء، سيسود التسامح وتتحكم الفطرة والإنسانية التى هى دين الأديان، ولذلك فإن الاتفاق فى الميراث هو السيد على الورثة، وليس المفتى أو الشيخ، لذلك فإننى أرفص تخويف الناس بكلمة «حرام»، فعندما يدركون حقهم فى الميراث وقدرتهم على التصرف فيه، سيعم التسامح والعدل.
> هل يوجد فقه خاص بالمرأة؟
>> المرأة مظلومة مع الذين يصفون أنفسهم بالمعرفة الفقهية، فعلى سبيل المثال عندما نقول: إنه ليس من حق المرأة دخول الحرم أثناء الدورة الشهرية التى تستمر من 5 إلى 6 أيام، وهذه فتوى تُحترم ولكننا نتجاهل فتوى أخرى موازية لها، تفيد بجواز دخولها الحرم وقراءة المصحف والطواف، طالما هى متحفظة ومُحتاطة بعدم نزول دم منها، ولكن لا يجوز لها أن تصلي، والأدلة موجودة فى القرآن الكريم والسنة النبوية، حتى لا تشعر المرأة بنوع من الانتقاص، لأن الله هو الذى فرض عليها ذلك ولا ذنب لها فيه، ولكن هذا الرأى يرفضه أوصياء الفتوي.