أصبح هرم منكاورع وترميمه قضية مثارة خلال الأيام الماضية.. وهى مثارة على مستوى الآثاريين أكثر منها بين الجمهور العادي.. الذى يتابع ما تسفر عنه.. يؤيد بعض الآثاريين ما جرى التفكير فيه بشأن إعادة أحجار هرم منكاورع المتساقطة حوله إلى موقعها.. بينما يعارض هذا التوجه البعض الآخر.. وقد انتقل المشروع الآن إلى مجلس النواب فى سؤال إلى وزير السياحة والآثار.. وهناك الآن لجنة وزارية مشكلة للبت فى الموضوع.. هل ينفذ المشروع.. أم تبقى الحجارة كما هى منذ سقطت.. تحيط بقاعدة الهرم.. ومهما كان القرار فإن هناك أسئلة مثارة حول إعادة الأحجار أو عدم اعادتها.. وهى كما يبدو.. تقف فى صف إعادتها.. ولننظر ماذا تقول الأسئلة:
أما السؤال الأول فهو عن ارتفاع الهرم.. فلا أحد حتى الآن يعرف ارتفاع هذا الهرم على وجه الدقه بسبب الأحجار الجرانيتية المحيطة به..
والسؤال الثانى هو طول قاعدة الهرم.. فلا أحد يعرفها.. لأن الأحجار الجرانيتية حوله تخفيها..
والسؤال الثالث فهو عن مراكب منكاورع.. أين هي.. فمركب خفرع هو فى شرق الهرم.. ومركبا خوفو كانتا فى الشرق والجنوب.. والاعتقاد الآن أن مراكب منكاورع أيضاً فى الشرق والجنوب..
كيف يمكن إجابة هذه الاسئلة.. وإجراء الحفريات حول الهرم فى وجود كتل الحجارة حوله.. والتى كانت فيما مضى تشكل الكساء الخارجى للهرم.. فإلى أين يمكن نقل هذه الأحجار لكى نجيب على هذه الأسئلة.. يقول المؤيدون: اليس فى إعادة هذه الأحجار إلى مواقعها على الغلاف الخارجى للهرم الحل الأفضل.. بعد إجراء التصوير الفوتوجرامترى عليها ومسحها بالليزر وتوصيفها توصيفاً كاملاً؟.. وهو مشروع سيستغرق سنة على الأقل لإجراء هذه الدراسات.. ثم يستغرق عدة سنوات لاعادة تركيبها.. وكل هذا لن يكلف مصر شيئا فالتمويل كله من الجانب الياباني.. الذى تتولى بعثته التابعة لجامعة واسيدا اليابانية العمل فى منطقة الاهرامات.. ويشيرون إلى الضجة العالمية التى ستصاحب تنفيذ المشروع.. والضجة العالمية التى ستصاحب الإجابة عن الأسئلة الثلاثة التى طرحناها.. والكشف عن مراكب منكاورع.. وكلها دعاية لمصر وآثارها وسياحتها لا تقدر بثمن.. ولكن المعارضون لهذا المشروع يقولون إنه سيثير ضجة عالمية أكبر.. ولكن فى الاتجاه المعاكس.. اتحاد الأثاريين العرب برئاسة الدكتور محمد الكحلاوى أصدر بياناً عنوانه «أوقفوا العبث بآثار مصر».. ويصف المشروع بأنه لا جدوى منه إلا إحراج مصر دولياً.. وإحراج علماء الآثار فى مصر والخارج.. ويقول إن آثار مصر أمانة وليست للتجارب والتشويه.
ولا يمكن التنبؤ بما ستقوله اللجنة العلمية التى شكلها وزير السياحة.. ولكن إلى جانب المعارضين هناك عدد من العلماء عبروا عن تأييدهم للمشروع.. ووصفوه بأنه بمثابة حلم للأثاريين..
وقد أثار مشروع إعادة تركيب حجارة الكساء الخارجى لهرم منكاورع المتساقطة حوله الكثير من اللغط.. واستخدمت فيه الفاظ غير مقبولة فى اصول التعامل مع الآثار حين تحتاج إلى إعادة ترميمها بإعادة الشئ إلى أصله.. ودون تغيير فيه أو استخدام خامات دخيلة غير تلك المستخدمة فيها..
وقد أصدر مركز المعلومات فى مجلس الوزراء بياناً شاملاً حول الموضوع أوضح فيه حقيقته.. ثم سارع وزير السياحة والآثار أحمد عيسى بتشكيل لجنة علمية تضم عدداً من علماء الآثار المصريين والأجانب يرأسها د.زاهى حواس.. لاعداد تقرير شامل حول الموضوع للاستمرار فى المشروع أو العدول عنه..
وليس من المستغرب أن تثير الموضوعات الخاصة بالآثار اهتماماً عاماً.. فهذا أمر طبيعى مع كل ما يتعلق بالحضارة المصرية القديمة التى تعتبر تراثاً إنسانياً يهتم به العالم كله.. كلنا نذكر ما أثير فى فترات سابقة حول ترميم أبو الهول.. ومن هنا فان الموضوعات الخاصة بالآثار يجب أن نتناولها بموضوعية وأسلوب علمى بعيداً عن استخدام الفاظ غير مقبولة.. وبعيدة عن تناول هذه الآثار بغير الاحترام والإجلال..
أحجار الجرانيت هذه سقطت فى عصور قديمة وبقيت تحيط بالهرم.. وربما أخذ بعضها.. فى تقديرى الشخصي.. لاستغلالها فى مبان مختلفة فى عصور سابقة.. كما حدث لكثير من الأحجار والأعمدة فى آثار عديدة.. انتزعت من مواقعها لتكون عتبات لبعض المساجد.. أو أعمدة داخلها.. ونحن جميعاً نعلم أن الهرم الأكبر كاد يتعرض لانتزاع أحجاره فى عصر محمد على لاستخدامها فى بناء القناطر الخيرية..
نفس الشئ يمكن أن نقوله الآن عن عمليات الترميم الجارية فى الكرنك لإظهار نقوش أعمدته التى غطتها لآلاف السنين.. وما تم من ترميم أعطى صورة جديدة لهذه الأعمدة التى تعودنا على رؤية نقوشها وقد اختفت الوانها وغطتها الأتربة.
ونلاحظ أنه بالنسبة لمشروع الكرنك لم يتبرع أحد بإطلاق عبارات غير مقبولة عليه كتلك التى استخدمت فى الحديث عن مشروع هرم منكاورع.. مع أنه غير تماما الصورة الموجودة فى اذهاننا عن أعمدة الكرنك.. ربما لأنه تم فى صمت حتى بدأت نتائجه فى الظهور لنرى عبقرية المصرى القديم فى نقوشه البارزة والمحفورة والوانها التى لم تتغير على إمتداد آلاف السنين.. وربما نحتاج إلى احتفال عالمى كبير بعد الانتهاء تماماً من ترميم أعمدة الكرنك.. الذى يصل عددها إلى 134 عموداً.. وقد تم حتى الآن الانتهاء من نحو 95٪ من المشروع الذى يجرى فى صالة الأعمدة الكبري.. أو بهو الأعمدة العظيم الذى يعتبر أكبر بهو فى العالم.. وقد جرى كل ذلك بأيدى المرممين المصريين..
وقد سبق مشروع الكرنك مشروع آخر لترميم معبد اسنا وأعمدته وإزالة الأتربة والسناج (هباب) عن أعمدته وسقوفه.. وأصبح للمعبد وأعمدته صورة جديدة رائعة.. بعد أن كنا نراه وقد اسودت هذه السقوف وهذه الأعمدة.. نتيجة استخدامه استخداماً سيئاً فى عصور قديمة فى الإقامة وإشعال النيران لاستخدمات مختلفة..
وقد أسفر ترميم معبد اسنا عن كشف مهم بعد إزالة ما علق فى سقوفه من سناج وأتربة.. حيث اكتشف فى سقفه زودياك «البروج السماوية».. وهو الثانى بعد زودياك معبد حتحور فى دندرة.. والذى تم نشره من سقف المعبد وسرقته للاسف حيث يعرض الآن فى فرنسا.. ويعتبر تمثيلاً للظواهر الفلكية والمجموعات النجمية والأبراج السماوية المعروفة لنا.. وحتى الآن لم يتم فك رموزه رغم عشرات الأبحاث عنه.. ويظهر زودياك اسنا الأبراج الفلكية الاثنى عشر من الحمل إلى الحوت بالإضافة إلى تمثيل الكواكب الخارجية.. وهى المشترى وزحل والمريخ.. وكل من زودياك دندرة وزودياك اسنا يظهران مدى تقدم الحضارة المصرية القديمة فى علم الفلك..
ولا شك أن إعادة ترميم كل من الكرنك واسنا سيسهم فى المزيد من الحركة السياحية إليهما.. وبخاصة اسنا.. وكانت الفنادق السياحية العائمة أيضاً تحجم عن التوقف بها.. والمأمول أن تكون كل هذه الأسباب قد تم تلافيها..
ونعود إلى هرم منكاورع والضجة التى اثيرت حول إعادة أحجاره إلى مواقعها.. وقد تناول مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المشروع فى حديثين قدمهما مع الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار والدكتور كشيواجى هيرويوكى كبير المهندسين بالبعثة المصرية اليابانية العاملة فى منطقة الهرم تم فيه شرح المشروع..
يذكر هنا أن الحفائر الأثرية حول هذا الهرم متوقفة منذ حوالى قرنين.. وبالتحديد منذ عام 1837 كما ذكر الدكتور مصطفى وزيري.. وأن إعادة الأحجار إلى أماكنها قد يكشف عن المراكب الجنائزية للملك منكاورع أسفلها..
ولابد هنا أن نوجه الشكر إلى وزير السياحة والآثار أحمد عيسى على اهتمامه بهذا المشروع الكبير.. ونوجه الشكر أيضا لعالم الآثار المصرية الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار على اهتمامه كذلك بهذا المشروع.. سواء أخذ به.. أو لم يؤخذ به.. فهو اجتهاد.. ووجهة نظر.. خاضعة للاتفاق والاختلاف.. وسوف يحسم الأمر علماء مصريون وأجانب من علماء المصريات.. ولابد أن نذكر له من جهة أخرى حجم الاكتشافات الأثرية الكبيرة التى تمت فى الفترة الأخيرة وكثير منها كان تحت رئاسته لبعثة التنقيب.. ونشير أيضاً إلى أن الجميع الآن يتطلع إلى الدكتور زاهى حواس وزير الآثار الأسبق وعالم الآثار المصرية الكبير.. والذى سيرأس اللجنة فى إنجاز عملها فى أقرب وقت ممكن.