البحث العلمى والتقدم العلمى قاطرة التقدم لأى أمة من الأمم، وقديما قال الشاعر العربي:
بالعلم والمال يبنى الناس ملكهم
لم يُبْنَ ملك على جهل وإقلال
وفى عالم اليوم تزداد قيمة العلم والتعلم والبحث العلمى أكثر من أى وقت مَضى فى زمن صار للفكرة فيه قيمة عظيمة، فلا صناعة حقيقية متقدمة بلا بحث علمى متميز، ولا زراعة متطورة بلا بحث علمى متميز، وهكذا الأمر فى سائر مجالات الحياة من نقل وصحة وتعدين وعمران وتحول رقمى وبنى تحتية، بل ولا إدارة احترافية بلا علم وتعلم متميز لفنون الإدارة وتراكم خبراتها، فإدارة الدول والمؤسسات تحتاج إلى خبرات خاصة متراكمة وإعداد مستمر لأجيال متتابعة من القادة المتميزين.
وتأتى نقطة الانطلاق الأولى من وضع وتحديد «إستراتيجية الدولة للبحث العلمي» تحدد فيها مستهدفاتها البحثية خلال الخمسين عاما المقبلة (25 – 75) بوضوح تام أو على الأقل للخمسة وعشرين عاما المقبلة (25 – 50)، على أن تكون إستراتيجية مرنة للتطوير المستمر فى عالم شديد التسارع البحثى والعلمي، لتعمل على بناء أجيال متتابعة من النوابغ الذين يمكنهم تحقيق أهداف تلك الإستراتيجية فى مختلف المجالات الطبية والهندسية والزراعية والصناعية وبخاصة صناعة الدواء وفى مجال الفضاء والتعدين والطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات وسائر العلوم المحققة لذلك من الفيزياء والكيمياء والرياضيات والجيولوجيا وسائر مفردات البحث العلمي.. بحيث تعكف نخبة وطنية على تحديد أهداف الاستراتيجية وأولوياتها، ثم تعكف مجموعات متخصصة وطنية وعالمية فى كل مجال أو علم على حدة لتحديد الجزئيات الأولى بالبحث، وكل من لديه فكرة أو مجموعة أفكار يقدمها لفريق العمل المتخصص كل فى مجاله.. ثم يكون تسجيل الأبحاث والرسائل العلمية فى ضوء بنك الأهداف والأفكار المحققة لهذه الإستراتيجية وكذلك الحال فى البعثات العلمية، مع أهمية تحديد الدول الأكثر تقدما فى كل مجال من المجالات ليوفد إليها نخبة من النوابغ فى مجال أو مجالات تقدمها، مع عقد دورات إلزامية لجميع الباحثين سواء فى مرحلة الماجستير أو الدكتوراه أو حتى عند التقدم لنيل درجة الأستاذية لينطلقوا فى ضوء تحديد أهداف هذه الإستراتيجية.
وكما قامت الدولة مشكورة بإعداد عدد من الإستراتيجيات فى مجالات عديدة فإن بناء وإطلاق «استراتيجية الدولة للبحث العلمي» يعد أولوية الأولويات وأهم الاستراتيجيات، والأهم من ذلك كله هو قابليتها للتطبيق بل تطبيقها على أرض الواقع ووضع أسس قياس مرحلى لتحقيق الأهداف، وإعلان ما يتحقق منها فى تقرير نصف سنوى يكون محل نقاش وحوار وطنى بين كبار العلماء المتخصصين والتنفيذيين فى كل مكان، ففى مجال الصناعة بصفة عامة والصناعات الثقيلة والدقيقة والمتطورة بصفة خاصة يقول لنا رجالها وغرفها ماذا قدم لهم البحث العلمى المصري، وهكذا فى مجال الزراعة والتعدين والطاقة المتجددة وتحلية المياه وسائر مجالات وجوانب حياتنا الاقتصادية.
ولا شك أن الإستراتيجية التى نبحث عنها ونراها واجب الوقت ودون إبطاء هى تلك الإستراتيجية الشاملة التى تشترك فى صياغة أهدافها جميع المراكز البحثية والجامعات المصرية سواء تلك التى تحت مظلة التعليم العالى أم جامعة الأزهر بما تضمه من علماء متخصصين فى مختلف المجالات أم أبناء الدولة الأوفياء من علمائنا