بينما نتبنى القدرات التحويلية التى يجلبها الذكاء الاصطناعي، يجب علينا أيضًا التعامل مع الآثار البيئية التى تصاحب انتشاره. سيصبح الذكاء الاصطناعى عموداً فقرياً للعالم الرقمي، ملامسًا كل جانب من جوانب وجودنا على الإنترنت، ونحن نحتاج إلى التأكد من معالجة مخاوف الاستدامة المتعلقة باستهلاكها للطاقة بشكل ملائم.
إن النماذج اللغوية المعقدة بشكل لا يصدق والتى يتم تدريبها على مئات المليارات من المقاييس والكميات الهائلة من البيانات التى يتم تحليلها، تعنى أن الذكاء الاصطناعى بطبيعته مستهلكاً طموحاً للطاقة. إن تشغيلها ضرورى لتخزين ومعالجة المعلومات بسلاسة، ولكنها تترك بصمة لا تُمحى على صحة كوكبنا. فالبصمة الكربونية لهذه المرافق هى قلق متزايد، حيث إنها تسهم بشكل كبير فى انبعاثات الغازات الزائدة الدفيئة العالمية.
إن النماذج اللغوية الكبيرة، مثل تلك التى تعمل على تشغيل الذكاء الاصطناعى التوليدي، تتطلب موارد ذات كثافة معينة بشكل خاص. تدريب هذه النماذج يتطلب قدرًا كبيرًا من الطاقة الحاسوبية، والتى بدورها تتطلب كميات كبيرة من الطاقة، غالبًا ما تستمد من مصادر غير متجددة. علاوة على ذلك، تستهلك أنظمة التبريد اللازمة للحفاظ على درجات حرارة التشغيل الأمثل كميات هائلة من المياه، مما يؤدى إلى تفاقم الضغط على موارد المياه العذبة المحدودة لدينا بالفعل.
مع ذلك، فإن التأثير البيئى للذكاء الاصطناعى يمتد إلى ما هو أبعد من استهلاك الطاقة وحدها.
إن استخراج المعادن مثل الليثيوم والكوبالت، التى تعتبر ضرورية للبطاريات التى تشغل مراكز البيانات، ينطوى على استخدام مكثف للمياه ويشكل مخاطر التلوث. علاوة على ذلك، فقد تم ربط عمليات التعدين بانتهاكات حقوق الإنسان، مما يلقى بظلاله على المصادر الأخلاقية لهذه المواد.
بينما نتنقل فى هذا المجال المعقد، فمن الضرورى أن نؤمن، كقادة فى التكنولوجيا والابتكار، بضرورة تبنى السياسات التى تشجع على الممارسات المستدامة. يجب على الحكومات وأصحاب الصناعة التعاون لتصميم الإطارات التى تدعم الشركات فى انتقالها نحو حماية البيئة. ويشمل ذلك فرض الشفافية فى استخدام الموارد ضمان الامتثال لمعايير حقوق الإنسان فى سلاسل التوريد.
يجب على الدول اعتماد تدابير المساءلة البيئية لفهم الوقع الكامل لتأثير تغير المناخ على دولهم. يأتى ذلك من جود ممارسات محاسبية قوية حيث يمكن للشركات والحكومات الإبلاغ بفعالية وفهم تكاليف ومسئوليات البيئة بشكل كامل. تحدثت عن هذا الأمر فى عام 1999 حيث قمت بإنتاج تقرير مفصل مع خبراء دوليين يُسمى «المحاسبة والإبلاغ المالى لتكاليف ومسئوليات البيئة». هذا التقرير كان مبادرة من جمعية المحاسبين المعتمدين العربية (ASCA) التى أسستها فى عام 1984، وتم إعدادها بالتشاور مع الأمم المتحدة والمعايير الدولية للمحاسبة والإبلاغ(ISAR) والتى ترأستها أيضاً.
بالإضافة إلى التدخلات السياسية، يجب على صناعة التكنولوجيا اتخاذ خطوات استباقية للحد من تأثيرها البيئي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال اعتماد مصادر الطاقة المتجددة، وتنفيذ تقنيات تبريد أكثر كفاءة، واستكشاف المواد البديلة لمكونات الأجهزة بالإضافة إلى تحسين كفاءة الخوارزميات.
إن السعى وراء الذكاء الاصطناعيا ينبغى ألا يأتى على حساب رفاهية كوكبنا. إنها مسئوليتنا الجماعية أن نضمن أن التكنولوجيا التى نطورها اليوم لا تضر بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة. يجب أن نلتزم بمسار الابتكار المستدام، حيث يسير التقدم والنزاهة البيئية جنبًا إلى جنب.