مناقشات صريحة، بمشاركة واسعة قدمت أفكاراً متنوعة، وبدائل مختلفة، كلها تصب فى وجود توافق على تعديلات جوهرية فى شكل ومدة وشروط الحبس الاحتياطي، هذا ما كشفته جلسات الحوار الوطنى أول أمس والتى تميزت بالكثير من الإيجابية، واتفاق الجميع على توافر الإرادة السياسية لإنهاء هذا الملف بما يحقق مصلحة العدالة ويحمى حق الأبرياء.
المؤكد كما وضح من المناقشات أن توصيات الحوار الوطنى التى سيتم التوافق عليها ورفعها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى سيكون لها الدور الأكبر فى تحديد مصير وشكل الحبس الاحتياطى وبما يضمن تحقيق الغاية منه هو إقامة التوازن بين الحقوق والحريات، حرية المتهم، وحق المواطن المجنى عليه، وحق الدولة فى العقاب وإعمال النظام العام بما يعنى عدم تحوله إلى عقوبة أكثر من كونه إجراء احترازياً، وفى نفس الوقت بما لا يغل به يد النيابة وكأننا نكافئ المتهم على فعله.
قال الدكتور محمد جمال أستاذ القانون وأمين التدريب والتثقيف بحزب العدل والقيادى بالحوار الوطني، السؤال المهم هل المواد المنظمة للحبس الاحتياطى فى قانون الإجراءات الجنائية تقيم التوازن؟ الحقيقة أنها تحتاج إلى تعديلات هامة وضرورية.
وهل الحبس الاحتياطى مشكلته عملية أم تشريعية؟ والحقيقة أيضاً هو مشكلة عملية فوضع وسن التشريع أمر هين، إنما التطبيق العملى هو مكمن المشكلة حيث يشهد الواقع العملي، بأن الحبس الاحتياطى أصبح إجراء طبيعياً ومتبعاً من مجريات التحقيق فيجرى التحقيق على نحو ينتهى دائماً إلى حبس المتهم!
أضاف ممثل حزب العدل فى ملف تعديل الحبس الاحتياطى تقدمنا بعدد من المطالب الأساسية منها تعديل المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية بتضييق أكثر للجرائم التى يجوز فيها الحبس الاحتياطى لتقتصر على الجنايات والجنح المعاقب عليها بسنتين فأكثر.
وتعديل المادة 143 من القانون سالف البيان بخفض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطى لتصبح فى الجنح ٤ أشهر والجنايات اثنى عشر شهراً، وثمانى عشر شهراً فى جرائم المؤبد والإعدام مع إلزام المحكمة بالفصل فى الدعوى فى وقت محدد ودون إخلال بحق الدفاع، وكذلك إلغاء التعديل الذى أضافه المشرع فى عام 2013 الذى استثنى بموجبه محكمة النقض ومحكمة الإحالة من القيد الزمنى لمدد الحبس الاحتياطى إذا كان الحكم صادراً بالإعدام أو بالسجن المؤبد وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعديل.
أوضح أنه إزاء خلو قانون الإجراءات الجنائية من ترتيب جزاء على تجاوز الحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطى فقد تم تقديم مقترح تعديل تشريعى ينص أن تحال القضية لدائرة أخرى مع مراعاة مدة الحبس الاحتياطى المنقضية وتحول الدائرة المنظور أمامها القضية للتفتيش القضائي، وزيادة درجات وأعداد الجهات المعاونة للقضاء مثل «الخبراء والطب الشرعي» لسرعة الانتهاء من التحقيقات المتوقفة عليهم.
وشدد جمال على وجود بدائل للحبس الاحتياطى منها تفعيل البدائل الواردة فى المادة 201/2 من قانون الإجراءات الجنائية وضرورة النص التشريعى على حد أدنى وأقصى لقيمة الكفالة المالية المقررة لكل واقعة على حدة فى الجنايات أو الجنح كبديل عن الحبس الاحتياطى على غرار الغرامات المالية وعدم تركها تقديرية لسلطة الاتهام والنص على تفعيل نظم الرقابة الإلكترونية والتكنولوجية الحديثة مثل السوار الإلكترونى والصورة الإلكترونية والفيديو كونفرانس وهنا من الضرورة وجود «بنية أساسية تكنولوجية ونظام إلكترونى مدعم بالذكاء الاصطناعي» يوفر مرونة استخدام أسرع النظم التقليدية.
وقال: الواقع العملى يثبت أن تجديد الحبس الاحتياطى عن بعد عن طريق الفيديو كونفرانس أغلب الوقت يصعب إعماله ولا ينفذ إما لضعف الشبكات أو عطل فى النظام المعمول به.
وأكد أمين تثقيف حزب العدل أنه بالنسبة للتعويض عن الحبس الاحتياطى أوصينا بضرورة تعديل تشريعى ينص على إنفاذ التعويض المادى على من يستحق التعويض وتحديد شروطه وحالات استحقاقه إعمالاً للمادة 54 من الدستور المصرى وتحديد مبلغ مالى يمثل الحد الأدنى عن كل يوم حبس على أن تكون قيمة التعويض سلطة تقديرية للقاضى خاضعة لرقابة محكمة النقض وأن يكون رفع طلب التعويض بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى ويتبع فى شأن إجراءاته والحكم والطعن عليه القواعد المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية، علاوة على تفعيل المادة 213 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية المتضمنة وإرساء مبدأ التعويض الأدبى عن الحبس الاحتياطى والذى يلزم النيابة العامة حالة الحكم البات بالبراءة أو أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى على أن ينشر فى جريدتين يوميتين بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو ورثته.
وحول المنع من السفر قال: طالبنا بضرورة وسرعة التنظيم التشريعى لإجراءات وضوابط المنع من السفر فى قانون الإجراءات الجنائية لارتباطها بحق المواطن فى التنقل المكفول وفقاً للمادة 62 من الدستور وتفادياً للتعسف فى إصداره وأن يتحول من إجراء احترازى لعقوبة تعسفية وبعدم التوسع فى إعمال السلطة التقديرية الممنوحة لسلطات الاتهام وأنه يجب النص على قضايا بعينها.. وكذلك ضرورة تفعيل عقوبة التشغيل المنصوص عليها فى المادة 479ق الإجراءات وإقرار عقوبة الخدمة العامة فى الجرائم التى لا تزيد العقوبة فيها عن سنتين مثل العمل فى «المستشفيات، المدارس، دار المسنين، أعمال النظافة وغيرها».
قال المهندس حسام على النائب الأول لرئيس كتلة الحوار ورئيس حكومة الظل والقيادى بالحوار الوطنى إن الجلسة الأخيرة أكدت أن هناك مؤشرات واضحة للجدية فى إنهاء ملف الحبس الاحتياطى الذى تأخر كثيراً خاصة مع الحضور المتنوع والكثيف للعديد من الجهات وهو أمر يعزز تفاؤلنا.
أضاف أن الدولة وعدت بالإصلاح السياسى وأراها تسعى بالفعل لتصفية هذا الملف ويجب علينا تشجيع هذا التوجه وضرورة استمرار السعى فيه حتى الإفراج عن آخر سجين رأى محبوس فى مصر.
وعن بدائل الحبس الاحتياطى طالب بوجود بدائل كثيرة لا تكلف الدولة نفس تكلفة استمرار المحبوسين احتياطياً ما يعزز فرص التوجه إليها وعدم الاستمرار فى تكبيد المحبوس احتياطياً وذويه مشقة آثار الحبس الاحتياطى وتكلفته.
يقول عبدالناصر قنديل الأمين العام المساعد لحزب التجمع إن قضية الحبس الاحتياطى والمدد المرتبطة به تمثل أحد الملفات المهمة فى تقييم السياسات الحقوقية المصرية وضمن أبرز الملفات التى تضغط القوى السياسية من أجل تحقيق تقدم ملموس فى معالجتها، خاصة مع ما تلاحظ بتحول الحبس الاحتياطى إلى عقوبة وإطلاق مدده دون تقييدات مؤسسية وذلك بسبب التعديلات التى تضمنها القانون «83» لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية رقم «150» لسنة 1950.
لذا يجب وضع جدول زمنى تفصيلى يحدد المدة والخطوات التنفيذية المطلوبة للانتهاء من نظر وتقييم الأوضاع القانونية للمحبوسين احتياطياً سواء بالإفراج عنهم أو إحالة الدعاوى المتهمين على ذمتها للقضاء لسرعة الفصل فيها وإدخال التعديلات المطلوبة على قانون العقوبات لتفعيل نظام العقوبات البديلة كمنهجية لتقليل أعداد المحبوسين والأخذ بالبدائل المتطورة للحبس الاحتياطى وتعديل قانون العقوبات لتعزيز الضمانات الدستورية والقانونية التى تحول دون تحول الحبس الاحتياطى إلى عقوبة أو تلك التى تسمح بتدوير بعض المتهمين على ذمة قضايا مختلفة وفى مقدمتها إلغاء العمل بالتعديلات التى تضمنها القانون «83» لسنة 2013 ووضع نظام قانونى يتيح للمتهمين التظلم من قرارات تجديد الحبس الاحتياطى الصادرة بصورة عاجلة لا تتجاوز «48» من تاريخ صدور القرارات وذلك أمام دوائر قضائية مختصة بالنظر فى ذلك الأمر، مع سرعة نظر البرلمان فى التعديلات التى انتهت لها اللجنة الخاصة بتعديل قانون العقوبات فيما يتعلق بقضية الحبس الاحتياطى ورفعها لرئيس الجمهورية لإصدارها والعمل بها.. ووضع نظام قانونى ملزم بحد أقصى لمدة الحبس الاحتياطى للمتهم ـ حتى لو تعددت الدعاوى القضائية بشأنه ـ وإلزام الهيئة القضائية بالإفراج عنه بنهايتها واستكمال محاكمته وهو غير محبوس.
من جانبه أكد ناجى الشهابى رئيس حزب الجيل الديمقراطى تقديره لقرار مجلس أمناء الحوار الوطنى عقد جلستين صباحية ومسائية لمناقشة الحبس الاحتياطى وبدائله والتعويض المناسب للمحبوسين احتياطياً فى حال ثبوت أن قرار حبسه خاطئ، لافتاً أن مناقشة هذا الموضوع المهم على طاولة الحوار الوطنى يؤكد أن الدولة عازمة على فتح كل الملفات الشائكة ومناقشتها والوصول إلى حلول لها عن طريق حضور كل مكونات وتفاصيل مصر من أحزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدنى وشخصيات حقوقية، مضيفاً الشهابى أنه شارك فى الجلسة المسائية التى خصصها مجلس أمناء الحوار الوطنى لمناقشة بدائل الحبس الاحتياطى والتعويض المناسب لمن حبس احتياطياً بشكل خاطئ وأنه طالب بإلغاء الحبس الاحتياطى للمتهمين بجرائم تتعلق بحرية الرأى والتعبير والنشر طالما لم تحرض على ارتكاب جرائم عنف وإرهاب، كما أشار إلى أنه طالب بأن مدة الحبس الاحتياطى للمتهمين بجرائم الجنح لا تزيد عن ٤ أشهر وفى الجنايات لا تزيد عن 12 شهراً وفى الجنايات التى تصل عقوبتها إلى المؤبد أو الإعدام لا تزيد مدة الحبس الاحتياطى فيها عن 18 شهراً.