عند المرض الإنسان فى أضعف حالاته، يلجأ إلى أسرع وسيلة للتداوى والعلاج، والطبيب ليس موظفا يؤدى مهمة أو يقضى مصلحة، إنما ملاك رحمة يحاول أن يخفف من آلام المرضي، وفى واقعة طبيبة المراغة، أرى أنها تمسكت بالحصول على التذكرة وهذا حقها– لكن أكثر من اهتمامها بالطفل المريض الذى قال أبوه إنه يموت، وفى النهاية يتكشف أن المستشفى يعمل بشكل مؤقت لحين الانتهاء من المستشفى الجديد وأن الإمكانيات محدودة، وهذا لا يبرر التقصير فى تقديم الخدمة الطبية للمترددين.
والمحافظ، تبوأ منصبه قبل أيام معدودة، ويريد بحماس البداية، أن يصلح القصور، ويتابع الخدمات، والتيسير على المواطنين، وأرى أن انفعاله كان فى محله لما رأى من معاناة الأطفال المرضي، وأظنه لم يكن يقصد أبدا إهانة الطبيبة، ولكن الموقف أثار حفيظته، ووجه لها بعض الكلمات التى اعتبرت خروجا عن حدود المسئولية، لكنه أوضح لها عندما استقبلها فى مكتبه أنه تعامل معها مثل ابنته.
(بالمناسبة لا أعرف المحافظ ولا الطبيبة ولا أتهم ولا أدافع عن أى منهما).
والاعتذار من شيم الكرام والكبار، وجاء من الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء للطبيبة، إلا أنه أوضح أن المسئولين حريصون على تحقيق رضا المواطن، فى إطار القنوات التى يحددها النظام العام، ومن حق المحافظ اتخاذ الإجراءات لتحقيق أفضل خدمة للمواطن، وكذلك لا بد من اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية تجاه المقصر دون أى تجاوز.
وبدلا من أن نثنى على جهود المحافظ، جاءت الحملة التى شنها الآلاف عليه من خلال الفيس بوك، مبالغا فيها، وربما محاولة مقصودة لتثبيط همم المسئولين، وهذا يذكرنى بالحملة التى تعرض لها الدكتور أحمد زكى بدر عندما كان وزيرا للتربية والتعليم فى زيارته لإحدى المدارس ووجدها تعمها الفوضي، وغياب الكثير من المدرسين، وكل ما قاله للمدير الذى جاء مهرولا «أهلا بمدير المدرسة» وقرر نقله إلى مدرسة بعيدة، وتدخل أعضاء مجلس الشعب من الحزب الوطنى وتكتلوا ضد الوزير ومارسوا عليه كل أنواع الضغوط حتى رجع فى قراره، وأزعم أنه أصيب بإحباط من سلوكيات أولئك النواب الذين كانوا حينها سببا فى إفساد الحياة السياسية والاجتماعية.
وتكرر الموقف مع أحد محافظى الشرقية السابقين، عندما أراد أن يوقف مهزلة الدروس الخصوصية، وإغلاق السناتر التى تستنزف المواطنين، وقامت العصابات –وللأسف انضم إليهم الكثير من أولياء الأمور المتضررين– وشنوا حربا شعواء على المحافظ لمجرد أنه أراد إصلاح المفسدة «ويعدل المايل» فدفع الثمن غاليا.
هذه النماذج من الوقائع تفتح ملف العلاقة بين الموظف والمواطن وبين الموظف ورؤسائه، ولا شك أننا نعانى من البيروقراطية الشديدة والتعقيد من كثير من الذين يتعاملون مع الجمهور، ويتفننون فى تعطيل مصالحهم.
وقد مررت –شخصيا– بثلاث تجارب قاسية ومؤلمة فى نقل أبنائى إلى مدارس أقرب من مسكني، واحتفظ بـ»طلب» عليه من التوقيعات ما يجعله يدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية بجدارة، وفى النهاية وبعد عدة أشهر وعشرات التوقيعات والموافقات، ينسف أصغر موظف هذا كله بقلمه «الشريف» وبكل تعسف يكتب «الكثافة لا تسمح»!
وقد كان للرئيس السيسى نظرة ثاقبة لعلاج أزمة البيروقراطية والقضاء على الفساد والسلبيات، بالتقليل من التعامل المباشر بين الموظف والمواطن، بالاعتماد على التكنولوجيا، وقد أدى ذلك إلى فض الاشتباك ونتائج إيجابية وسرعة الإنجاز ونتمنى تعميمها على جميع المصالح.