لو عرف الناس أن 90 بالمائة من الأمراض الخطرة أو مضاعفاتها يمكن تجنبها.. لأدركوا حجم الخطأ الفادح الذى يرتكبونه فى حق أنفسهم، والذى يستحق وصف الجريمة الكاملة.. لأن الجانى فيها لا يخضع للعقاب المدنى ولا يدخل بجريمته ساحات القضاء.. وبدلا من ذلك يدخل قاعات الانتظار فى عيادات الأطباء وغرف العمليات الجراحية وربما العناية المركزة.
المشكلة أننا نتعامل مع أجسامنا وصحتنا بأقل مما نتعامل به مع ماكينة المطبخ والتليفزيون وجهاز الدى فى دى والسيارة.. أننا نحرص على صيانة ومراقبة أجهزتنا المنزلية ونتجاهل حق أجسامنا فى الصيانة الدورية والرعاية والاهتمام.. المشكلة أننا نقرأ كل شيء عما نقتنيه من أجهزة.. نحرص على استيعاب دليل التشغيل واحتياطات السلامة.. نمضى وقتا طويلا فى قراءة «كتالوج» أى جهاز منزلى جديد نشتريه.. ونضن بدقائق معدودة على مقال يتناول شأناً صحياً.. أو تحقيق علمى يتحدث عن الوقاية أو العلاج أو الصحة.. باختصار شديد أننا نرفض المعرفة وهى فى متناول أيدينا عندما تتعلق بصحتنا ونبحث عنها وهى ضنينة عندما تتعلق بأشياء مادية تافهة.. وعندما نمرض أو عندما تتفاقم أمراضنا أو عندما تداهمنا مضاعفاتها الخطيرة نلقى باللوم على كل شيء وأى شيء إلا أنفسنا.
خلال لقاء معه قبل سنوات، فَجَّر الدكتور رونالد دال وهو أستاذ عالمى فى أمراض الصدر والحساسية مفاجأة مؤلمة.. عندما حكى قصة مريض قابله فى دولة عربية واكتشف أنه يعانى من الازما أو الربو منذ أكثر من عشرين عاما بالتمام والكمال.. وأنه طوال هذه المدة لم يراجع طبيبا ولم يستشر متخصصا.. بل لقد اعترته الدهشة عندما علم انه مصاب بالربو.. وبدا غير مصدق.. وطوال هذه المدة كان يتولى أمر نفسه بنفسه.. كان يتعاطى أدوية السعال والمضادات الحيوية التى لم يصفها له طبيب ويستعين بنصائح الأصدقاء فى العمل من وقت إلى آخر.. ولم يفكر ولو لمرة واحدة فى سر حالة الإعياء المستمر التى يعانى منها ولا فى سبب اللهاث والأزيز واضطرابات التنفس التى أصبحت ضيفا دائما عليه.. وأقنع نفسه بأن ما يعانى منه مجرد نزلات برد متكررة علاجها فى عصير الليمون وحساء الدجاج وأدوية السعال.. والنتيجة تغيرات مرضية مزمنة فى الرئتين وحالة مرضية شديدة الصعوبة.. والحقيقة الأكثر ايلاما أن هناك الكثيرين مثل هذا الشخص ومعظم الأمراض المزمنة تكتشف بالصدفة,
الدكتور محمد أبوالغيط أستاذ التغذية العلاجية بجامعة القاهرة أكد فى مؤتمر علمى أن جميع مرضى السكر الذى عاينهم ليس لديهم أى فكرة عن النظام الغذائى الخاص بهذا المرض.. رغم أن علاج السكر يبدأ بالنظام الغذائى ثم الرياضة وأخيراً العلاج الدوائي.. وقال انه سمع كلاما غريبا عجيبا من المرضى مثل أن عسل النحل يشفى السكر.. أو التمر لا يرفع نسبة السكر فى الدم.. والأكثر غرابة أن معظم عيادات السكر فى مصر ومعظم دول العالم تضم أخصائيين فى التغذية وأن الكتب والصفحات الطبية فى الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية وحتى مواقع الانترنت العديدة المعنية بالصحة والتى تقدم معلومات وافية عن النظام الغذائى لمرضى السكر باللغة العربية متوفرة بكثرة.. ولكن أيا من المرضى الذين التقاهم لم يهتم بمعرفة حقائق مرضه ولم يفعل سوى تناول الدواء الموصوف، والنتيجة صعوبة السيطرة على المرض وكثرة المضاعفات.
وتبقى المفارقة الأكثر غرابة أننا بقدر إهمالنا للمعرفة الطبية، نهتم كثيرا بالخرافات ونستسلم للمشعوذين والدجالين اعتقادا منا بأن الطب عاجز والأطباء فاشلون.. وأن الدجل وحده هو مفتاح الشفاء وأصل الدواء.