جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ
وَإنْ كانت تُغصّصُنِى بِرِيقِى
وَمَا شُكْرِى لهَا حمْداً وَلَكِن
عرفتُ بها عدوّى من صديقى
ففى وقت الأزمات يحدث الفرز التلقائى دون ضجيج، الصادقون يستمرون على الدرب دون شروط ودون التفاتة واحدة إلى الوراء، المنافقون الذين ادمنوا تناول مشروب «النطاعة» منذ نعومة أظفارهم لن يقفوا موقفا واحدا يخذل نطاعتهم أو يستنزف مخزون تفاهتهم فى وقت الأزمات تظهر مهارات الاستدارة الراقصة فى سيرك الباليه السياسى والاعلامى والنخبوي، فمن كان يصلى فى محراب السلطة مستقبلا قبلتها مسبحا بحمدها استدار بين غمضة عين وانتباهتها ليكفر كفرانا مبينا بكل ما سبق وآمن به، من الدفاع المستميت عن السياسات والاجراءات والمشروعات إلى القيام برجمها ثلاثة أشواط متتالية كأنه يرجم شيطانا، فجأة ودون مقدمات او مبررات وجدنا «موسم التلون» يأتى قبل أوانه فظهر المتلونون يتسكعون على طرقات الفوضى وحول مستنقعات الخيانة والعمالة ويتبادلون النكات الساخرة التى تضع الوطن فى جملة رديئة الصياغة، فى ردهاتهم لن تسمع منهم الا نعيقا وعواء ثم صراخا وابتزازا وتكتمل الصورة بوصلات غنج رخيصة ورقصات استربتيز فاضحة، هؤلاء الذين يظهرون فى كل الصور ويأكلون على كل الموائد ويكتبون بكل الأقلام لا يهمهم إلا ذواتهم المتضخمة بفعل عمليات التكبير التى أجروها.. بدءا من عمليات تكبير الدماغ وصولا إلى عملية تكبير الجيوب، الوطن لدى هؤلاء مقر اقامة كالفنادق تماما اذا تعرض لأزمة رحل النزلاء وبحثوا عن فندق آخر، فى هذه الأثناء نمر بهذه الظروف وهذه المشاهد وهذه الكائنات الرخوة من سكان الحى الرمادى الهادئ، ولم أجد تشبيها «شعبويا» يصف ما أراه من سلوكيات البعض فى هذه الأيام أكثر وضوحا من فكرة «المشترك الكهربائي» الذى يخدم اكثر من «جهاز» فى دولة أو جهة ما أو تنظيم ما كل هذا فى آن واحد وبنفس الكفاءة، ففكرة «تعدد الولاءات» هى المرادف النخبوى لهذا التعبير، وفى واقعنا المعاصر وجدنا ما يشيب من هوله الولدان، فجاجة وفظاظة وفجر فى ممارسة أحط أنواع الخيانة وهى خيانة الأوطان، كان فيما مضى يختبئ هؤلاء الجواسيس خلف أصابعهم ولا يظهرون إلا بعد انتهاء خدمتهم لأسيادهم المتعددين، هؤلاء العبيد الذين يتفاخرون بفحولة أسيادهم – كل أسيادهم – تخلوا مؤخرا عن حرصهم المفضوح وبدأوا يمارسون فُجرهم جهارا نهارا على مرأى ومسمع من الجميع ودون خجل أو مواراة شكلية.