من الذى وراء هذا العمل الإرهابى الذى استهدف أحد المساجد التى يرتادها الشيعة فى منطقة الوادى الكبير بالعاصمة العمانية مسقط ليلة إحياء ذكرى يوم عاشوراء؟.. ما يدفعنى إلى هذا السؤال هو أن هذا العمل الجبان الذى أودى بحياة خمسة أشخاص ورجل شرطة ومقتل ثلاثة من الجناة وإصابة ما يقرب من ثلاثين شخصا هو الأول من نوعه الذى تشهده سلطنة عمان طوال تاريخها المعاصر ومن يعرف طبيعة المجتمع العُمانى لا يصدق أبدا ما حدث.
عشرون عاماً عشتها فى هذا البلد الآمن لم أشعر قط بل لم يحدث أصلاً وقوع أى عنف طائفى رغم تعدد المذاهب والعرقيات والجنسيات.. فالجميع سواسية أمام القانون سواء كانوا مواطنين أو مقيمين.. الكل يمارس طقوسه وشعائره فى هدوء وسكينة وطمأنينة.. تلك هى طبيعة المجتمع العمانى وتلك هى شيم العمانيين المتسامحين مع أنفسهم ومع الآخرين ولذلك كانت الصدمة حين أعلنت الشرطة العمانية أن الجناة ثلاثة أشقاء عمانيين متأثرين بالأفكار الضالة لكن مع إعلان تنظيم «داعش» الإرهابى مسئوليته عن الهجوم على هذا المسجد يؤكد بالدليل القاطع أن وراء هذا العمل الجبان جهات خارجية حرضت هؤلاء الجناة على ارتكاب جريمتهم مستغلة تأثرهم بالفكر المتطرف لأنه لا يوجد أصلاً لتنظيم «داعش» موطئ قدم فى السلطنة وهذا العنف الطائفى دخيل على المجتمع العُمانى كما أننا أصبحنا على قناعة تامة أن «داعش» هو مجرد اسم مستعار تختبئ وراءه جهات خارجية تدعمه وتموله وتكلفه بتنفيذ أى عمل إرهابى وهو ما حدث ويحدث فى العديد من الدول ولكن لماذا اختيار سلطنة عمان هذه المرة بالذات خاصة أنه لا جديد فيما يؤديه الشيعة فى هذا البلد من شعائر؟.
إن الإجابة على هذا السؤال الخطير يعلمها كل متابع للسياسة الخارجية العمانية التى تنتهجها السلطنة والتى أرسى دعائمها السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه وسار على خطاها سلطان عمان الحالى هيثم بن طارق فالسلطنة بلد محايد يرفض الاستقطاب أو التدخل فى شئون الغير وهو البلد الوحيد فى منطقة الخليج الذى نجح فى ترسيم حدوده مع كافة الدول المتاخمة له تحت مبدأ «لا ضرر ولا ضرار» كما أن سلطنة عمان تبذل جهودها لاخماد أى خلافات أو نزاعات تشتعل بين دول المنطقة وكثيراً ما نجحت السلطنة فى القيام بدور الوساطة نظراً لما تتمتع به من حيادية ومصداقية.
تلك الحيادية التى تنتهجها سلطنة عمان لا تروق بكل أسف لبعض القوى التى تسعى لتقوية نفوذها وتحقيق مصالحها فى المنطقة خاصة فى ظل تصاعد الصراعات والتوترات فى الوقت الحالى لأن الحياد العُمانى ودور الوسيط الذى تقوم به لحل النزاعات فى منطقة الخليج يعرقل خطط هذه القوى التى تفضل استمرار تلك النزاعات حتى يكون لها دور للتدخل فى شئون تلك الدول وفرض هيمنتها عليها.
كما أن استقلالية القرار العُمانى يسبب قلقاً لتلك القوى التى ترغب فى أن تعيش السلطنة فى جلبابها.. كما أن الموقف العُمانى الداعم للفلسطينيين والقضية الفلسطينية على المستويين الرسمى والشعبى والذى كان قوياً ومسموعاً فى أحداث غزة الحالية أزعج تلك القوى الداعمة للكيان الصهيونى والنتيجة كانت حادث الوادى الكبير.