هناك أمور لا تجوز فيها المواربة أو إمساك العصا من المنتصف أو الانسياق وراء «التريند»، مما نتج عنه حديث وكلام موضوعى يحقق الهدف والمصلحة الوطنية والعامة، بعيداً عن دغدغة المشاعر ولغة العواطف واللعب على وتر المتاجرات والمزايدات.. فهذه أحاديث لا تسمن ولا تغنى من جوع.. حسناً فعلت الحكومة الجديدة، وزراء ومحافظون، فى انتهاج أسلوب جديد للعمل الميدانى على أرض الواقع والجولات والزيارات المفاجئة، خاصة لمواقع ومنشآت تتعامل وتقدم الخدمات الحيوية للمواطنين، بهدف الاطمئنان على وصول هذه الخدمات التى تكلف الدولة ميزانيات طائلة إلى المواطن.. ولا يمكن أن نضع الرءوس فى الرمال ونركب الموجة.. فالمواطن عانى كثيراً من إهمال وتجاهل وتقصير بعض الموظفين.. يتعاملون بشيء من اللامسئولية و»العكننة» على المواطن وإهمال مطالبه المشروعة أو الانشغال بأمور أخرى غير مهامهم فى العمل، دون مراعاة لمعاناة المواطنين.. ولعلى طلبت كثيراً ومراراً وتكراراً بأهمية نزول المسئولين إلى المواقع الجديدة، خاصة المستشفيات.. وأكدت على هذا الطلب والرجاء دون تفاصيل للمعاناة التى يلقاها المواطن فى مستشفيات المحافظات البعيدة فى الصعيد والمحافظات النائية، رغم أن الدولة لم تبخل فى الإنفاق على توفير مقومات الخدمة والرعاية الصحية اللائقة للمصريين فى هذه المناطق من أحدث الأجهزة الطبية والمنشآت الصحية، لتخفيف المعاناة عن المرضي.. لكن ما يحدث ترهل إدارى وبطء شديد وأحاديث تدور دون فائدة بين الموظفين والانشغال بأمور أخرى داخل المستشفيات وضياع وقت المريض وعدم الالتفات لمعاناته، وربما يكون فى حالة حرجة وصعبة، وهناك من الموظفين والمسئولين من يعانون البلادة وعدم الإحساس بالناس.. لذلك علينا أن نشجع وندعم تجربة الوزراء والمحافظين فى العمل الميدانى والجولات والزيارات المفاجئة لمواقع الخدمات الحيوية، خاصة المستشفيات.. وأراها أمراً غاية فى الأهمية وسيؤدى إلى نتائج مهمة للغاية.
ليس معنى وجود خطأ غير متعمد أو مقصود وبدوافع إنسانية، أن نخاف أو نخشى من التجربة.. فما أقدم عليه محافظ سوهاج هو عمل جيد ومطلوب كمبدأ وعقيدة فى الاطمئنان على الخدمات المقدمة للمواطنين وسير العمل فى المستشفيات.. لكن ربما شاب الأمر حالة من الاندفاع المشفوع إنسانياً، عندما يرى أباً يحمل ابنه وهو فى حالة سيئة ولا يلقى الإنقاذ والتدخل السريع من قبل الطبيبة أو الطبيب، وكان من الممكن أن تباشر عملها فى رعاية الطفل وتطالب والده بإحضار التذكرة.. لكن هذا لا يعفى المحافظ من اتباع الطريقة غير الصحيحة فى التعامل، فجل ما يملكه هو القرار والإجراء المناسب والمحاسبة اللازمة دوماً على أى تجاوز، كما قال د.مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، يستطيع أن يعاقب ويحاسب على التقصير أو يعزل من المنصب أو ينقل أو يحيل للتحقيق دون أن يتفوه بأى كلمة يراها البعض إساءة للطبيبة.. لكن لا يجب على الإطلاق التفريط فى هذا النهج أو المسار الذى سيؤدى إلى تصحيح الأوضاع وإيقاظ الهمم، بدلاً من التسيب الوظيفي.
يقيناً، إن التجربة سوف تتضح، والسادة المحافظون سوف يحصلون على الخبرات وكيفية التعامل فى مثل هذه الحالات التى يشوبها التقصير واللامبالاة والحق فى العلاج والإنسانية فى التعامل.. فالطبيب هو الحكيم.. هو صاحب القلب الكبير والمبادئ النبيلة.. والأطباء يقدمون خدمات إنسانية عظيمة.. لذلك نطلق عليهم «الجيش الأبيض».
إعادة الانضباط للمنشآت والمواقع الخدمية التى تتعامل مع الجماهير وتحقق مطالب وحقوق المواطن، أمر غاية فى الأهمية، يحقق الرضا ويؤكد حرص الدولة فى تحقيق رضا المواطن.. من هنا لا يجب أن نقتل هذه التجربة ولا نخضع للمزايدات والإساءات.. فالغريب، ان المواطنين دائماً يشكون من سوء الخدمات، هم أنفسهم من يطلقون المزايدات والمتاجرات وينساقون وراء أكاذيب أبواق الجماعة الإرهابية وأبواقها التى لا تسعى إلا لنشر الأكاذيب والتشكيك والبلبلة.. وهو ما يجب أن يلتفت إليه المواطن المصري.
ما حدث فى الفترة الأخيرة من جولات ميدانية وزيارات تفقدية مفاجئة، أتمنى أن يستمر، ولا يمكن أن تؤثر علينا المزايدات.. وأتحدى أن هذه الجولات والزيارات المفاجئة إذا تطابقت مع المعايير والإجراءات ووصلت إلى النضج، سوف تصنع الفارق.. لذلك على المسئول، الوزير أو المحافظ، أن يتمتع بالهدوء ويستخدم سلطاته القانونية فى معاقبة المقصرين والحفاظ على شعرة عدم التجاوز.. لذلك يجب أن يدرك كل موظف أياً كان موقعه أو تخصصه، أن هناك من يتابع ويراجع ويحاسب ويعاقب ويكافئ.. فالقضاء على الترهل واللامبالاة والإهمال وعدم الاهتمام بمعاناة الناس، سوف ينتهى باستمرار هذه الجولات، التى يجب أن تكون مفاجئة بالمعنى الحقيقي.. فلا داعى لكثرة المرافقين أو ارتداء البدل الرسمية والجواكت.. ولا يحدد المحافظ وجهته للمرافقين، حتى لا تبدأ التليفونات فى إخطار المواقع.. بل يخرج المحافظ إلى المراكز والقرى ويزور المنشآت الخدمية والمستشفيات والمواقع الجماهيرية، ولا يجب أن تغل أيدينا المزايدات و»التريندات» عن استمرار هذه السُنة الحسنة والعقيدة والفضيلة التى ستصنع الفارق.. وربما كان لابد من تدريب الوزراء والمحافظين الجدد على كيفية التعامل مع الإعلام والحديث للناس والمواطنين، وتعريفهم بفوائد ومبادئ التعامل وقانونية الإجراءات، وكيف يستخدم المسئول صلاحياته.. فالتدريب ليس عيباً لاكتساب الخبرة والقدرة على التواصل والتعامل، خاصة أن هناك وزراء ومحافظين من خلفيات تشكل مجتمعات ذات طبقة خاصة، وأن التعامل مع الموظفين فى المواقع الخدمية المدنية أو التعامل مع المواطنين، أمر يحتاج لخبرات وعلم، وهناك منهم من يحتاج إلى تصحيح الرؤية، فبدلاً من أن تحاسب المواطن على الخطأ، يجب على المحافظ تقويم المنظومة، فلا تحاسب المواطن كيف حصل على هذه الكميات من الخبز المدعم، ولكن حاسب المسئول عن المنظومة أو المخابز وكيف وصلت إليه، وما هى حلقات الخلل ووضع إطار ومسار يضمن سلامة الإجراءات وإعطاء كل ذى حق حقه، ولا داعى للتصوير المفرط لهذه الزيارات المفاجئة، فالكاميرات كفيلة لاكتشاف وإبطال مفعول الزيارات المفاجئة.
المتابعة الميدانية على أرض الواقع والوجود بين الناس والزيارات التفقدية المفاجئة للمواقع الخدمية التى تتعامل مع المواطنين، أمر غاية فى الأهمية، ولا يجب- وأكرر- ألا ترعبنا المزايدات والإساءات.. وحسناً فعل د.مدبولى رئيس الوزراء بتقديم الاعتذار للطبيبة وأيضا استقبال محافظ سوهاج للطبيبة.. لكن علينا أن نضمن استمرار النهج والمسار، مع تغيير اللغة والأسلوب ونستخدم ما بين أيدينا من صلاحيات وإجراءات دون ضجيج أو إساءات.. هنا القانون هو أداة الردع وحساب المقصرين ومكافأة المتميزين.
أتمنى أن ينتهج جميع المحافظين هذا المسار فى المتابعة الميدانية والزيارات المفاجئة.. لأن هناك كوارث للموظفين فى حق المواطنين، لطالما أشرت وألمحت إليها.. لكن على المسئول أو المحافظ الالتزام بقواعد التعامل دون إساءة، مع استخدام السلطات واللوائح والقوانين التى تحقق الانضباط وتصحيح المسار.. والتجربة سوف تنضج وتنجح.. فلا تفرطوا فيها.