أعلن د. شوقى علام مفتى الجمهورية فى تصريح إعلامى أن دار الإفتاء رصدت «5500 فتوي» صدرت من (متشددين) تحرض على نبذ الآخر وتنشر الكراهية، وترفض التعايش المشترك بين المسلمين ومخالفيهم فى الاعتقاد.. مشيرا إلى أن 90٪ من فتاوى التيارات المنحرفة فكرياً تعتمد على متشابهات التراث.. ومن جانبهم أكد علماء الدين أن التراث الإسلامى جهد بشرى يقبل الخطأ والصواب وليس معصوما ولا مقدسا مما يفرض ضرورة تنقيته وتجديده عن طريق «فك» شفرات الفتاوى التى لها دلالة زمنية معينة.. بينما يتمسك بها رموز التشدد لخدمة أغراضهم فى سفك دماء الأبرياء وتخريب الممتلكات.
أشار المفكر الإسلامى الدكتور محمد سالم أبو عاصى الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الازهر إلى أن الإحصائية التى ذكرها المفتى لم تأت من فراغ بل لها أصل وارد فى فتاوى بعض السابقين من العلماء، وذلك ما فعلته داعش حينما أحرقت الطيار الأردنى معاذ الكساسبة استندت إلى فتوى باطلة فى أصلها ومنهجه مدعية أن سيدنا أبو بكر الصديق قد أحرق الفجاءة السلمى حياً، وهذا دليل غير صحيح، وساقط باطل، لا سند له، مضيفا أن التراث الإسلامى فيه ما هو مقبول، وما هو مرفوض، والمقبول والمرفوض ليس على العموم، وهذا يفرض علينا أن نتعامل مع التراث من خلال آليات تحيط بزوايا المعرفة والإدراك للواقع والمستجدات، ومن يفقد هذه الآليات يفهم التراث على غير مراده، وينحرف عن مساره الصحيح، والجماعات المتطرفة لا تملك آليات الفهم للتراث وتتعامل معه بالآراء الشخصية التى تخدم مصلحتهم، مشيراً إلى أن التراث لا يُقْبَلُ كله، وكذلك لا يُرْفَض كله، وإنما يحتاج إلى العالم المتمكن الذى يُفرز الغَّث من السمين، مشددا على أن الفتاوى الإرهابية التى يفتى بها الإخوان والمتسلقة والجماعات الاخرى بها سُم قاتل، إذ أن الفتوى تحتاج الى فَهْمِ النص الشرعي، وإدراك الواقع المعيشى وكيفية إنزال النص على هذا الواقع، فالفتوى صناعة لا يكفى فيها معرفة الفقه فقط، بل من لا بد معرفة الفقه والحالة الاجتماعية والاقتصادية والحكم الشرعى عبر تاريخه.
فيما أوضح د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف أن القرآن الكريم به 130 آية عن السلام والسِلم، بينما آيات الحرب 6 آيات، وللأسف فإن البعض من تيارات الكراهية والتشدد جعلوا الحرب هو الأصل فى تعاملهم مع التراث، بعدما سلكوا طريق التعامى والتغابي، مما جعلهم ينقلون استثناءات ووقائع خاصة على أنها من باب المطلق والعام، ونظرا لأن البضاعة الفقهية لدى جماعات وفرق وتنظيمات العنف والتكفير والمسلح بضاعة راكدة كاسدة، فإنهم يقومون بتأويلات خاطئة لتبرير جرائم الإرهاب والإرجاف، مضيفا أن الواقع أصبح يفرض ضرورة تصحيح المفاهيم المغلوطة وتصويب الأفكار الخاطئة حتى تنضبط الأمورالافتائية، وهذا لن يتحقق إلا بأيدى العلماء الراسخين الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، مشيراً إلى أن جماعات الارهاب والإرعاب تحولت على بعض الآراء الخاطئة لا سيما التى قيلت فى أحوال خاصة مثل فتاوى «ماردين» المنسوبة إلى ابن تيمية فى جواز الخروج على الحكام، واستخدام السلاح، والتوسع فى التكفير، متجاهلين أن تلك الفتاوى جاءت فى ظروف الحروب الصليبية، ودعم بعض حكام المسلمين قادة الحملة الصليبية فى تحطيم أركان وشعائر الإسلام والمسلمين، مما يؤكد أن هذه الفتاوى ذات طبيعة خاصة، لكن للأسف عممها أشياخ وقواد العنف قديما وحديثا، مما يفرض وجوب معالجة ومداوة هذه الآراء التى كشفت دار الإفتاء عن عينة منها فى تلك الاحصائية التى ذكرتها عن سموم الفتاوى التى يمكن أن تؤدى إلى تخريب العقول وتدمير المجتمعات.
فيما أشار د. يسرى جعفر أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن تلك الاحصائية أظهرت أن التراث الإسلامى فيه أقوال كثيرة تحتاج إلى مراجعات، مثل: تكفير مرتكب الكبيرة عند الخوارج، خاصة أنهم قاموا بالبناء على هذا الحكم أحكاما كثيرة تسببت فى تخريب مجتمعات، واستنبطوا منه فتاوى مسمومة لا حصر لها، فعندما كانوا يُسَألون عن حكم تارك الصلاة كانوا يحكمون بِكُفْره دون تفريق بين تاركها جحودا أو تاركها كسلا معترفا بفرضيتها، وهنا لا نستطيع أن نَحْكم بكفره، فمثل هذه الفتاوى كثيرة، ومثلها فتاوى داعش ممن كفروا كثيرا من المجتمعات، وكثيرا من الناس وتسبب بعضها فى تفكيك المجتمعات وضياعها، وعندما نعمل على تفكيك هذه الأفكار لا بد أن يكون ذلك من خلال حوار المتخصصين أهل الذكر.
مضيفا أن لجان الفتوى تحتاج الى فتاوى فكرية وسطية معتدلة تصل إلى عقول الشباب الضال وعدم ترك المجال لبعض مدعى نشر الفكر التنويري، وهم لا علاقة لهم بالدين، ولكن مهمتهم تشكيك الشباب فى دينهم من أجل تفكيك المجتمع، حتى خرج علينا البعض بأفكار تنويرية غريبة بقولهم: إن تعليم المنطق حرام، وعمل المرأة حرام، وتعلم الرياضيات والهندسة حرام، وترتب على مثل هذه الفتاوى الضالة تأخير الأمة كثيرا، وفق منهجية جماعات الجهاد، أنصار السنة، والمتسلفة، والإخوان وغيرهم ممن لا هوية لهم إلى درجة تكفيرهم أبو الحسن الأشعرى رغم أنهم لم يقرأوا له أو يعرفوا رسالته الصحيحة الوسطية.
مشددا أن هذه الفتاوى تحدث شرخا داخل كيان المجتمع، وهى بمثابة فتن كقطع الليل المظلم، يصير الحليم فيها حيرانا، ومن هذه الفتاوى المسمومة فتوى تقسيم الجهاد الى جهاد طلب وجهاد دفع، لحماية الأوطان فالطلب تقاتل أناس لا يقاتلونك وهم فى أمن وأمان فى بلادهم، اذا فلماذا تذهب إليهم وهم لم يقاتلوك، فمثل هذه الفتاوى بحاجة إلى مراجعة وتوضيح المفهوم الخاطئ للعامة ومعرفة الغَّثِ من السمين وعدم ترك الساحة للجهال ممن لا معرفة لهم بأصول الفتوى من ناحية المفهوم أو المنطوق أو المُطْلق ولا المقيد، أو العام أو الخاص، ولا علاقة لهم بأسباب النزول ولا المعانى اللغوية فى القرآن الكريم أو السنة النبوية، وإنما يأخذون النصوص بظاهرها، وأصبح كل من هَبَّ ودَّب من غير المتخصصين يفتون الناس بغير علم.